فلسطين أون لاين

تقرير "الفسيخ".. سيد السفرة الغزية في أول أيام عيد الفطر

...
غزة/ مريم الشوبكي:

صبيحة عيد الفطر السعيد، تعبق رائحة "الفسيخ" المقلي حارات وأزقة وشوارع غزة، فهو الطبق الرسمي للفطور يلازمه رفيقته "الطُشطيشة" الحارة (قلاية البندورة).

وتنتعش تجارة الفسيخ في الأسبوع الأخير من رمضان، حيث يحرص التجار وربات البيوت على تمليح أسماك "الجرع" و"البوري" قبيل دخول الشهر الفضيل بمدة زمنية، لكي يكون جاهزًا للبيع قبيل العيد.

وقبيل رمضان بشهر تشتري لارا الكحلوت من حي التفاح شرق مدينة غزة، رطلًا (3 كجم) من أسماك الجرع لتصنع منها الفسيخ، تجهيزًا لتناوله في عيد الفطر.

طبق مقدس

تقول الكحلوت: "تعلمت تصنيع الفسيخ على يد زوجي الذي تعلمه من والدته، فقد كانت تحب تصنيع كل شيء في البيت، لضمان النظافة والجودة، ومنذ أن تزوجت قبل 25 عامًا حتى اليوم أصنعه بنفسي".

وتضيف: "الفسيخ طبق مقدس، فبمجرد الانتهاء من صلاة العيد أقوم بقليه وتجهيز قلاية البندورة، ودقة الفلفل الأخضر الحار والثوم، وكثير من الليمون، لكي تتناوله عائلتي باكرًا قبل وصول المهنئين للبيت".

وتشير الكحلوت (45 عامًا) إلى أن الفسيخ لا يغادر سفرة العائلة على مدار أيام العيد الثلاثة.

أما الفسيخ بالنسبة لنهلة لولو من مدينة غزة فهو "عشق"، إذ تنتظر طلوع نهار أول يوم في العيد لكي تأكله، كما تقيم الولائم عليه لأخواتها وإخوانها حين يجتمعون في بيت والدها في اليوم الثالث للعيد.

تقول لولو (38 عامًا): "منذ وعيت على هذه الحياة وجدت والدتي مولعة بالفسيخ، وعدوى حب هذا الطبق انتقلت لنا، فلا نمل من أكله في الوجبات الثلاث على مدار اليوم من العيد".

وتتابع: "من شدة حبي للفسيخ أصبحت خبيرة في تمييز الرديء من الجيد، حيث أحرص على ابتياعه من أحد المراكز التجارية بعد تفقده، وأفضل الفسيخ المصنوع من سمك البوري رغم ارتفاع ثمنه مقارنة بأسماك الجرع".

وعن كيفية إعداد هذا الطبق، توضح لولو أنها تقوم بنقعه في الماء ساعتين للتخلص من الملح، ومن ثم تعمل على تنظيف أحشائه، وبعد ذلك يتم غسله وغمسه بالدقيق وقليه، ومن ثم يتم سكب دقة الفلفل الأخضر والثوم، والليمون.

ويقدم بجانبه الفسيخ طبق "الطشطيشة" وهي بندورة تقلب مع كمية كبيرة من البصل، وتترك على النار على حتى تتسبك مع الكثير من الفلفل الأخضر.

مشروع لربح

ويشكل الفسيخ مصدر رزق للعديد من الفلسطينيين، وتحرص العديد من السيدات قبل عيدي الفطر والأضحى، على تصنيعه قبل 45 يومًا من أجل بيعه مع اقتراب العيدين، لكسب بعض المال الذي يعينهم على صعوبة المعيشة مع الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعانيها قطاع غزة منذ 17 عامًا من الحصار الإسرائيلي.

ومن تلك السيدات جواهر حمودة من حي الأمل غربي محافظة خان يونس جنوب القطاع، والتي اتجهت نحو تصنيع الفسيخ مضطرة، بسبب رفض زوجها المتكرر شرائه من الأسواق خشية أن يكون فاسدًا، ويصيبهم بالتسمم، وعشقها لهذا الطبق دفعها لتعلم طريقة التصنيع.

اهتدت حمودة (37 عامًا) لجارتها المسنة التي تبرع في تصنيع الفسيخ، وعلمتها كل "تكات" وأسرار الصنعة، ليضاهي طعمه الفسيخ الجاهز المتوفر في الأسواق.

وتصنع حمودة الفسيخ في مطبخ بيتها، حيث تبتاع نحو 80 كليو من أسماك الجرع وتحضرها قبيل شهر من رمضان، وتسلمه للزبائن قبيل العيد بيومين.

تقول حمودة لـ"فلسطين": "الفسيخ عادة يصنع من سمك البوري، والجرع المجمد، فالطازج لا يمكن تحويله إلى فسيخ، ولكني أحرص على الانفراد بسمك الجرع، لأنه منخفض السعر مقارنة بالبوري".

وتضيف: "بعدها أقوم باختبار الأسماك من حيث الجودة، والصلاحية، ومن ثم أعد خلطة التمليح التي تحتوي على كمية كبيرة من الملح، مضافًا إليها الكركم الذي يمنحه لونًا ذهبيًّا لامعًا، وبعض الشطة، ومن ثم أحشو جميع أجزاء السمكة بكمية كبيرة من الملح".

وتتابع حمودة: "ومن ثم يتم لفه بأكياس بلاستيكية، وأضعه في صناديق بلاستيكية كبيرة، وأتخلص من العصارة الناتجة عن التلميح، حتى لا يفسد".

وعملية ترويج حمودة للفسيخ الذي تصنعه، بدأت بدائرة معارفها القريبة منها، وبعدما حاز على إعجابهم، أصبحت تصنع كميات حسب الطلب، حتى ذاع صيتها وزادت مبيعاتها دون أن تضطر لتسويقه عبر منصات التواصل الاجتماعي.

وتبين أنها اتجهت إلى تسويق منتجها عبر منصات التواصل الاجتماعي، رغبة منها بتوسعة نطاق بيعها، وتوسعة مشروعها.

ويصنع الفسيخ عادة من نوعين من الأسماك هما البوري، والجرع.

تتفاوت أسعار الفسيخ في الأسواق الغزية حيث يصل ثمن الكيلو المحضر من أسماك البوري إلى 45 شيقلًا، أما الجرع فيتراوح ثمنه ما بين 20 إلى 30 شيقلًا.