داخل سور البلدة القديمة وبالتحديد في حارة السعدية تشعل الأضواء في مخبز عائلة الرازم في تمام الساعة الواحدة ليلًا، ليبدأ عملهم كخلية نحل تنشط في صنع البرازق الذي يعد طقسًا رمضانيًا يزين مائدة المقدسيين منذ عشرات السنين.
فمنذ 35 عامًا يمتهن الشقيقان جواد ورجب الرازم تلك الصنعة التي ورثوها أبًا عن جد، واليوم يقف إلى جوارهما أبناؤهما.
يقول محمد الرازم: "منذ بداية شهر رمضان المبارك نكثّف إنتاج البرازق بما يلبي احتياجات السوق، فالمخبز يشتهر بصناعة الكعك المقدسي ولكن للبرازق طلب خاص".
والبرازق هي عبارة عن رقائق رفيعة من العجين تتخذ شكل الدائري ويوضع عليها السمسم، وهي حلوى خفيفة ومشهورة في مختلف الدول العربية ويكثر الطلب عليها في المناسبات والأعياد.
ويشير الرازم (49 عامًا) إلى أن المقدسيين يشتهون البرازق في رمضان دونًا عن الأشهر الأخرى من العام، ويعتبرونها جزءًا من طقوس الصيام.
ويعمل في مخبز الرازم 12 شخصًا معظمهم من أفراد العائلة، وتوزع الأدوار بينهم ما بين العجين والتقطيع والرق الأول ثم الرق الثاني الأوسع.
وتمر صناعة البرازق بعدة مراحل، تبدأ الأولى بعجن الطحين بعد التنخيل لتأكد من خلوه من أي شوائب، ثم عجنه بواسطة العجانة وتقطيعه إلى كرات صغيرة.
ويوضح أن العجين يترك بعد التقطيع ليرتاح ثم يتم رقّ الكرات مرة أولى وبعدها يترك ليرتاح نحو نصف ساعة ثم يرق مرة ثانية لتصبح الكرات مسطحة ورقيقة جدًا.
ويلفت الرازم أن الخطوة الأهم بعد ذلك، تكون بتنظيف العجين وكنس الطحين عنه، يتلوها دهن كل رقيقة بالسكر والماء وتغطيها بالسمسم، ليصل إلى المرحلة خبزها الأخيرة بخبز قطع البرازق.
وبخلاف المخابز المقدسية الأخرى، تعمل أسرة الرازم على خبز البرازق في مخابز تستخدم الحطب الأمر الذي يعطيه طعمًا مختلفًا ورائحة تعبق أزقة البلدة القديمة تجعل كل من يشمها يبتلع ريقه ويشتهي تذوقها.
ويواصل الرازم حديثه: "تعد البرازق في شهر رمضان جزءًا من التراث المقدسي التي تشتهر فيه المدينة، فيعمل أهلها على تناولها بعد الإفطار كنوع من المسليات التي يتناولها الصائم بعد إفطاره أو بعد أداء صلاة التراويح بجانب القهوة أو الشاي، كما أنها لا يتم يتناولها ساخنة، بل تترك لتبرد".
اقرأ أيضاً: تقرير "مزاج".. فرقة مقدسية تستلهم ألحانها من زمانها وظرفها الإنساني
وتختلف البرازق المقدسية عن البرازق الشامية، فالأولى حجمها كبير ويقترب من حجم الطبق، وذات طعم مالح، أما الشامية فحجمها صغير وحلوة المذاق ويضاف لها أحيانُا الفستق السوداني أو الحلبي، "وبالتالي فإن للبرازق القدس نكهة خاصة"، تبعًا للرازم.
وصناعة البرازق يحتاج إلى خبرة تمتد لسنوات طويلة، وقوة إذ يستغرق إعدادها جهدًا أكبر من صناعة الكعك، ولصناعتها أسرار يرثها الأبناء عن الآباء، فمحمد وشقيقه يقومان اليوم بالدور الإشرافي على صناعة هذه الحلوى حيث يقوم أبناؤهم بجميع متطلبات العمل من الألف إلى الياء.
ويقول الرازم أن بالرغم من أن الكعك المقدسي تشتهر به مدينة القدس طول أيام العام، إلا أن المقدسيين وزوار المدينة يشتهونها أكثر ويتم تناولها في الفترة ما بعد تناول الإفطار، وحتى ما بعد أداء صلاة التراويح، "لا نعرف سبب الإقبال عليها، لكن هذا هو الحال".
ورغم زيادة الطلب على البرازق إلا أن حجم البيع في المخبز هذا العام أقل من الأعوام الماضية بسبب الأوضاع التي تدور في القدس.
ويبيع مخبز الرازم القطعة الواحدة من البرازق بنحو أربعة شواقل، في تبيع المخابز الأخرى بالبلدة القديمة تستخدم الأفران الكهربائية والغاز في صناعتها بـثلاثة شواقل.
وكونه طقسًا رمضانيًا فتنتشر العديد من البسطات في البلدة القديمة وخارجها لبيع البرازق خاصة لمن لا يرغب أو لا يملك الوقت للدخول إلى البلدة لشرائها من المخابز.