فلسطين أون لاين

"التسميع العثماني" إرث ديني ينفرد به المسجد الإبراهيمي منذ 130 عامًا

...
التسميع العثماني
الخليل-غزة/ مريم الشوبكي:

التسميع العثماني والأذان السلطاني الأول إرث ديني وتقليد عثماني لا يزال معمولًا به في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل منذ 130 عامًا، قبل صلاة الجمعة أسبوعيًا.

يبدأ بالمدائح والابتهالات التي تمجد الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- وصحابته، ويعقبه الأذان السلطاني الأول الذي يردده أربعة مؤذنين جماعيًا، ويؤدونه بمقامات مختلفة تظهر جمال أصواتهم الندية، وبراعتهم في علم المقامات بطريقة مؤثرة ورائعة يخشع لها السامعون، وترق معها القلوب.

يبين إمام وخطيب المسجد الإبراهيمي في الخليل حفظي أبو سنينة أن هذا الموروث الديني إرث عثماني تختص به مدينة الخليل دون غيرها، ويسمى "التسميع السلطاني العثماني" أو "الأذان السلطاني الأول".

ويلفت إلى أنه لا يوجد دليل شرعي لهذا الموروث في الشريعة الإسلامية، ولكنه طقس ديني لا يزال معمولًا به منذ 130 عامًا حتى اليوم.

ويوضح أبو سنينة لـ"فلسطين" أنه قديمًا لم يكن هناك أذان أول في صلاة الجمعة، وكان الأذان السلطاني هو السائد في المسجد الإبراهيمي، إذ يدخل المؤذن لغرفة الأذان، ويقوم بترديد بعض العبارات التي تحمل المدائح والتمجيد للرسول -صلى الله عليه وسلم- والصحابة الكرام.

ويذكر أنه بعد الانتهاء من التسميع السلطاني الأول، يبدأ الأذان الجماعي الذي يرفعه أربعة مؤذنين مختصين بالأذان في المسجد الإبراهيمي، إذ يؤذن المؤذن الرئيسي برفع الأذان، ويقوم الباقين بالترديد خلفه حتى ينتهوا.

موروث وتقليد ديني

ومن ضمن الآثار العثمانية التي أصبحت موروث وتقليد ديني، ما يسمى بالمقرئ، إذ يصعد خطيب الجمعة على منبر صلاح الدين الأيوبي في المسجد، ويرفع المقرئ الأذان بين يدي الخطيب، وبعد الانتهاء يقرأ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت"، كما يبين أبو سنينة.

ويعد منبر المسجد الإبراهيم أقدم منبر إسلامي، وهو تحفة فريدة، صنع في مصر عام 484 للهجرة، ثم نقل إلى عسقلان، وخاض صلاح الدين الأيوبي 52 معركة حتى وضعه في مكانه الحالي بصدر المسجد.

وما يميز المنبر أنه مصنوع من خشب الأبانوس المطعم، ولا يوجد فيه أي مسمار، وإنما ركب بطريقة "التعشيق".

وقبل إقامة صلاة الجمعة يقرأ قارئ القرآن سورة الإخلاص ثلاث مرات، في الأولى يقرأ كل آية منفردة، وفي المرة الثانية يجمع بين البسملة مع سورة الإخلاص، وفي الثالثة يبدأ بالبسملة بنفَس متواصل مع آيات الإخلاص دون توقف، وفق إمام وخطيب الحرم الإبراهيمي.

ويؤكد أبو سنينة أن المورث الديني المتمثل في التسميع العثماني، والأذان السلطاني، لا يتوقف العمل به إلا عند إغلاق الاحتلال الإسرائيلي الحرم الإبراهيمي.

ويبين أن التسميع العثماني يمتد لـ15 دقيقة، أما الأذان العثماني الجماعي يمتد لعشر دقائق، حتى يكون هناك وقت لإلقاء خطبة الجمعة، وعدم الإطالة على المصلين.

وينبه إلى أن المؤذنين والمقرئين مختارون وفق شروط منها التمتع بأصوات ندية، والدراية الواسعة بعلم المقامات المختلفة.

ويشير أبو سنينة إلى أن خطيب الجمعة كان قديمًا يحمل الرمح طيلة إلقائه الخطبة، وتوضع أمامه الرايات العثمانية، ولكن الاحتلال منع استخدام الرمح.

قلب الخليل النابض

ويصف أبو سنينة المسجد الإبراهيمي بـ"قلب الخليل النابض"، مبينًا أن الأمويين هم أول من حوله إلى مسجد بعد أن هدمه الفرس، ثم جاء بعدهم الفاطميون والعثمانيون والذين كان لهم نمط يختلف عن الذين قبلهم.

وكان للسلطان عبد الحميد الثاني بصمة واضحة عندما أحضر الشمعدان النحاسي لإنارة المسجد بالشموع قبل وصول التيار الكهربائي، وفي العهد العثماني خطّ إبراهيم السلفيتي في مصلى الإسحاقية سورة ياسين بماء الذهب بالخط الثلثي، إذ تبدأ السورة من المحراب، وتنتهي بالمحراب.

ويقع المسجد الإبراهيمي، ثاني أهم المعالم الإسلامية في فلسطين بعد المسجد الأقصى، في قلب مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، وينسب المسجد -الذي يطلق عليه أيضًا اسم الحرم الإبراهيمي- إلى النبي إبراهيم الخليل عليه السلام المدفون فيه قبل أربعة آلاف عام.