بين أزقة مخيم البريج الضيقة جدًا، يقبع بيت المسن "ع. عابد" العاطل عن العمل منذ أكثر من عشرين عامًا، ويعاني أوضاعًا اقتصادية بالغة السوء، في ظل عدم حصول أبنائه الشباب على فرص عمل أيضًا.
فالمنزل الذي لا تتجاوز مساحته الأربعين مترًا، لا تزوره الشمس سوى من نافذة واحدة ما يجعل الحياة فيه غير صحية البتة، فهو "مزويٌ" بين المنازل الملاصقة له وبالكاد يدخله الهواء، يقول: "هذه الغرفة نتكدس فيها جميعًا، ليلًا ونهارًا بحثًا عن أشعة الشمس".
"أما بقية المنزل فلا تدخله الشمس أبدًا، وتأكله الرطوبة، ما يؤثر سلبيًا على صحتنا خاصة أنا وزوجتي لكوننا كبيرين في السن"، يضيف صاحبه.
لدى المسن "ع" ثلاثة أبناء شباب لم يحصلوا حتى اليوم على أي فرصة عمل، "ابني الكبير متزوج في غرفة واحدة فوق المنزل مسقوفة بالخشب، وقد رزق بطفل ما يزيد العبء المالي على كاهلي، في ظل عدم عمله".
وتعتمد عائلة المسن "ع" أساسيًا على "كابونة الوكالة" في تدبر أمورها المعيشية، "عندما أستلمها أبيع جزءًا من الدقيق، وأشحن "كرت الكهرباء" وأدفع ثمن جرة الغاز، ويظل الحال هكذا حتى "الكابونة" التي تليها بعد قرابة ثلاثة أشهر".
فإذا ما انتهى "كرت الكهرباء" قد تبقى الأسرة في ظلام دامس لأسابيع إلا إذا أنار ليلها "فاعل خير" بعشرين أو ثلاثين شيقلًا لإعادة التيار الكهربائي مرة أخرى.
إصابة عمل
معاناة الأسرة المادية بدأت منذ عشرين عامًا عندما تعرض المسن "ع" لإصابة عمل في أثناء عمله بالداخل المحتل وسقط من علو فأصبح يعاني من غضاريف وصعوبة في المشي أقعدته عن العمل الشحيح أصلًا في غزة.
وبعد أن كبر أبناؤه وأصبحوا شبابًا كان يعوّل على إمكانية أن يجدوا فرص عمل غير أن آماله ارتطمت بالواقع المعيشي الصعب الذي يعيشه قطاع غزة، خاصة أنّهم لم يكملوا تعليمهم "لعدم قدرتي المادية على ذلك، ومعاناتهم من مشاكل صحية، فالابن الأول يعاني من صعوبة في المشي، والثاني مصاب بالحول".
ويمضي إلى القول: "كان شيك الشؤون يسترنا، لكن اليوم بعد انقطاعها شبه التام، أصبحنا بلا مصدر دخل وتراكمت علينا الديون، والأمرُّ من ذلك أننا كلما ذهبنا لجمعية خيرية لمساعدتنا ترفض بحجة أننا نتلقى الشؤون، أين هو الشؤون؟ إنهم يعطوننا إياه بالتنقيط".
آمال بغد أفضل
تتدخل زوجته المسنة للحديث قائلة: "لا نملك في أغلب الأحيان شيكلًا واحدًا في المنزل، والطعام لا نأكله سوى عندما يجود أهل الخير علينا، في رمضان الآن، أذهب لـ"التكيات" الخيرية لجلب طعام لهم، سواء فول أو فلافل أو غيره".
وتتكبد الأم المسنة المشاق إذ تُضطر للمشي من مخيم البريج حتى مخيم النصيرات أحيانًا لجلب طعام الإفطار لأسرتها من "التكيات" الموجودة هناك، في ظل عجز زوجها وخجل أبنائها من الذهاب لجلب الطعام.
وما يؤلم قلب الأسرة أن ابنتهم الوحيدة التي ما زالت على مقاعد الدراسة تشق طريقها التعليمي بصعوبة بالغة في ظل فقر الأسرة، تقول الأم: "أذهب دائمًا لمعلماتها، وأشرح لهن وضعنا المعيشي، وهنّ دائمًا –جزاهن الله خيرًا- يساعدنها بكل ما يستطعن من مصروف وقرطاسية، وحتى طعام السحور أرسلته لها معلمتها في رمضان".
وفي زاوية المنزل مطبخ مهترئ خالٍ من الأجهزة الكهربائية إلا ثلاجة أكل عليها الزمن وشرب، "لا يوجد لديّ غسالة، لقد كبرت في السن وأنا أغسل ملابسنا يدويًا، ولكننا لا نستطيع توفير ثمن الغسالة أو حتى كهرباء لتشغيلها".
وتثقل كاهل الأسرة الديون التي فاقت قيمتها الألفي شيقل للبقالة وحدها، "لا يوجد أحد لم أستدن منه، فالمصاريف كثيرة، وكلها فوق طاقتي"، يقول المسن "ع".
تتعدد أحلام العائلة التي تطمع في أنْ تتوفر لها فرصة لترميم منزلها وجعله صالحًا للحياة، وتوفير فرص عمل لأبنائها الشباب تقيهم ذل "الحاجة وقلة ذات اليد".