فلسطين أون لاين

الحكواتي

في ستين داهية

...
الحكواتي - في ستين داهية
الخليل-غزة/ مريم الشوبكي:

كثيرة هي المواقف التي نقابلها في حياتنا اليومية، ونردد فيها مثل "في ستين داهية" للإشارة إلى حالة من عدم الاهتمام، واللامبالاة على ما ضاع، أو فات بيد أن ذلك لم يكن المعنى، والمقصد الأصلي لها، فما قصة هذه المقولة؟

لـ"في ستين داهية" قصة حدثت قبل الإسلام في اليمن، يروي تفاصيلها الباحث في التراث الشعبي د. إدريس جرادات:

تعود بداية القصة إلى ما قبل الإسلام، في اليمن حيث كانت الحرب قائمة بين قبيلتي مدحج وهمدان، كانت قبيلة مدحج دائمًا ما تفوز ما جعل همدان تلجأ إلى الاستعانة بالفُرس حيث أقاموا الخطط، والترتيبات للإيقاع بقبيلة مدحج، وكبار مشايخهم، وكانت الخطة هي أن يقوم الهمدانيون باستدراج مشايخ قبيلة مدحج الذين عرفوا بالذكاء، والدهاء.

طرحت فكرة الحوار بدون حمل السلاح، وقد استجاب ستون شيخًا من كبار قبيلة مدحج للفكرة، ووقعوا في الشرك الذي نصبه الهمدانيون بمعاونة الفرس، وقتلوا زعماء القبلية التي تفرق شملها بعد تلك الحادثة.

كان قيس بن المكشوح أحد فرسان همدان، وحين ظهور النبي محمد رسول صل الله عليه وسلم حضر بين يديه وأعلن إسلامه، وقد حسن إسلامه ثم عاد مرة أخرى إلى اليمن، ولما حدثت الردة في كثير من القبائل المسلمة بعد وفاة رسول الله، أرسل الخليفة أبوبكر الصديق رضي الله عنه بن الكشوح لقتال من ارتد من أهل اليمن.

أصر وقتها أن يثأر لقومه من قبيلة همدان لما كان من غدرهم بكبار قبيلته وهم عُزل بدون سلاح، وباستخدام الخديعة والمكر، فما كان منه إلا أن ثار لهم، وصارت أعداد القتلى تتزايد واحدًا تلو الآخر، ثم قام بحصار قصر "فيروز الديلمي" الفارسي في صنعاء.

بقي حال صنعاء على تلك الحالة حتى جاء كبار وعلية القوم للوساطة بين الفريقين، وقد عاتبوا قيس على الخراب والدمار الذي أوقعه بالهمدانيين، وكثرة أعداد القتلى.

فما كان من قيس إلا أن أجاب بجملة مختصرة حملت الكثير من المعاني، وهي "في ستين داهية" والمعنى أن كل من قتلوا وماتوا، وكل هذا الخراب مقابل موت ستين داهية من دواهي قبيلته.

وهكذا كعادة العرب في نقل الأخبار والأقوال والمأثورات عن بعضهم تم تداول المقولة، وعلى الرغم من ذلك تناقلت الناس المقولة على سبيل التعبير عن عدم الاهتمام، واللامبالاة على ما ضاع، أو فات.

وليس للمعنى الأصلي لها الذي ورد على لسان قيس بن المكشوح، والذي كان يرمز إلى المقابلة، والتساوي في مقدار حجم الخسائر فالهمدانيون الذين ماتوا، ماتوا في مقابل ستون رجلًا من كبار قبيلة مدحج، هو ما يعني في ستين داهية.