في حياتك اليومية تقابل أشخاصا فضوليين، لا يتوانون عن التدخل في شؤونك، ولا يتوقفون عن طرح الأسئلة عليك، لإشباع الفضول ليس إلا، وهذا التدخل في كثير من الأحيان يأتي عليهم وبالًا يوقعهم في الكثير من المشكلات، وينطبق عليهم المثل " من تدخل فيما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه".
لهذا المثل قصة طريفة من نوادر جحا، تحكيها الحكواتية المقدسية ماجدة صبحي.
كان من عادة جحا أن يدعو الله في وقت الصلاة أن يعطيه مائة دينار، وكان يختم صلاته بقوله: أما إذا نقصت دينارًا واحدًا فإنني لن آخذها، وكان لجحا جار يهودي يسمع دعاء جحا، فقرر أن يختبره فيما يقول.
فأحضر كيسًا ووضع به 99 دينارًا، ولما جاء وقت الصلاة، وسمع جحا يردد دعاءه المعتاد، قذف بالكيس من على السطح وفتحه وأخذ يعد ما فيه، فلما وجده 99 دينارًا فقط قال: إن الذي أعطاني 99 دينارًا لن يبخل بدينار واحدًا، وسوف يرسله لي، ثم أسرع بالكيس يخفيه في جيبه.
فأسرع اليهودي إلى جحا وقال له: هات نقودي، فرد جحا: أية نقود؟ فأجاب اليهودي النقود التي كانت بالكيس، فقال جحا: أي كيس، أخذ اليهودي يسرد الحكاية عليه ثم قال: وقد أردت مداعبتك ففعلت ما فعلت لأعرف صدق ما تدعيه في دعواك إلى الله.
فقال جحا: لقد طلبت من الله ولم أطلب منك، قال اليهودي: ولكن هذه نقودي، فكذبه جحا وقال بل هي من عند الله، فقال اليهودي: إذا لم تعطني نقودي فتعال معي إلى القاضي.
فقال جحا: إنني رجل عجوز والدنيا برد، ولن أستطيع الخروج، أسرع اليهودي إلى منزله وعاد ومعه بغلة وفروة من الصوف الجيد، وقال لجحا: الآن بطلت دعوتك، البس الفروة واركب البغلة وتعال معي.
لبس جحا الفروة، وركب البغلة واتجها معًا إلى القاضي، فروى اليهودي قصته، فالتفت القاضي إلى جحا وسأله: ما رأيك فيما يقول؟
قال جحا: إنه كذاب أشر، لم يعطني بيده درهمًا ولا دينارًا، ولكنه رآني أعد نقودي فعرف عددها وادعى ما ادعى! وأنا لا أبعد أن يدعي ملكية بغلتي التي بالخارج.
خشي اليهودي أن تلحق البغلة بالدنانير، خاصة أنه لا يملك دليلًا، وليس عنده شهود فصاح: أتنكر أنها بغلتي التي أحضرتها لك لتركبها؟ قال جحا: هل رأيت يا سيدي القاضي؟ إن هذا اليهودي لن يتردد في ادعاء ملكية ما عندي، حتى ملابسي التي أرتديها!
صاح اليهودي جازعًا: هل تنكر أن هذه فروتي أيضًا؟ عند ذلك تدخل القاضي موجها حديثه إلى اليهودي قائلًا: إنك رجل مجنون ادعيت ملكية الدنانير، ثم البغلة، ثم الملابس، اخرج من هنا وإلا حكمت بحبسك!
خرج اليهودي تعسًا مرتجفًا، وأخذ يلعن نفسه ويسبها لأنه أراد أن يضحك من جحا، فضحك منه جحا، وركب جحا البغلة واليهودي يتحسر، ثم عاد إلى منزله فخلع الفروة، وأخرج الدنانير، وقاد البغلة إلى بيت اليهودي، ودق بابه، فلما فتحه ألقى له بالفروة، والدنانير، والبغلة وقال له: إياك بعد اليوم أن تتدخل بين الخالق، والمخلوق.