فلسطين أون لاين

ضربتان في الرأس توجعان

الضجة التي أقامها نتنياهو حول جولته الأفريقية تبدو «احتفالا بالزواج قبل أن توافق العروس وأهلها عليه». لكنها تشير في الوقت نفسه إلى اتجاه الريح. فحكومة (إسرائيل) بقيادتها واعية لخطورة العزلة الدولية التي تعانيها، خصوصا مع النجاحات الفلسطينية في الساحة الدولية، وتحاول فك هذه العزلة عن طريق معركة لصد المشروع الفلسطيني وقلبه رأسا على عقب. وضمن خطتها أن تنقلب من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم، لدرجة الجرأة على ترشيح نفسها لعضوية مجلس الأمن الدولي، بعد أقل من سنتين. وهي تسعى لتجنيد الأصوات، خصوصا في أفريقيا كونها بحاجة ماسة للخبرات الأمنية والتكنولوجيا الصناعية والزراعية. وكل فراغ يتركه العرب أو غيرهم وراءهم في أفريقيا، يخططون لملئه عاجلا. وهي تفعل ذلك ببطء وبنواقص كبيرة ولكن بإصرار. فعند نتنياهو اليوم هم كبير هو فك العزلة السياسية عن (إسرائيل).


كثير من التحليلات نشرت لتفسير دوافع وأهداف الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى أربع دول أفريقية (أوغندا، وكينيا، ورواندا، وإثيوبيا) في الأسبوع الماضي. فالبعض اعتبرها زيارة تاريخية تعيد لـ(إسرائيل) دورها المفقود في هذه القارة. ونتنياهو نفسه تحدث عن مصلحة مشتركة في مكافحة "الإرهاب الإسلامي" وفي تطوير التبادل التجاري والاقتصادي والبعض رأى هدف الزيارة فك عزلة (اسرائيل)، والبعض اعتبرها هجمة دبلوماسية من (إسرائيل) لصد الهجمة الفلسطينية في الأمم المتحدة، غرضها تجنيد عدد من الأصوات لصالح (إسرائيل) لإفشال المشاريع الفلسطينية والعربية المعادية. ومع أن هناك أكثرية ساحقة في الجمعية العامة مناصرة للفلسطينيين، وفي السنوات الأخيرة وسّع الفلسطينيون جدًا من نشاطاتهم الدولية وحصدوا غير قليل من الثمار الرمزية، ابتداء من رفع علم فلسطين في مقر الأمم المتحدة في نيويورك وصولاً إلى الاعتراف بالسلطة الفلسطينية من جانب برلمانات وحكومات أوروبا، فإنه من الجهة الأخرى، وفي التصويت الأهم في الشأن الفلسطيني في العامين الأخيرين، فشل الفلسطينيون في تأمين الأغلبية في مجلس الأمن للاعتراف بفلسطين كدولة. وبالمناسبة، كانت رواندا الأفريقية، إحدى الدول التي امتنعت عن التصويت، حين سقط الاقتراح الفلسطيني على صوت واحد فقط. ولذلك شمل نتنياهو هذه الدولة في جولته الجديدة.


نتنياهو اعترف ان هذه الزيارة هي محاولة لاستعادة هذه العلاقات، بعد ان كانت (إسرائيل) على القائمة السوداء في أفريقيا، لكن هل كتب لها النجاح؟ فعلى الرغم من أن رئيس أوغندا رحب بنتنياهو والاحتفال بمناسبة 40 سنة على العملية، فإن كثيرين من أفراد الحاشية أكدوا أن ردود الفعل على الأرض لم تكن مثيرة للحماس. فمن مجموع 54 رئيس دولة تمت دعوتهم لحضور الحفل، حضر سبعة زعماء فقط (هم رؤساء أوغندا وكينيا وورواندا وإثيوبيا وجنوب السودان وتنزانيا وزامبيا). والفكرة التي يحاول نتنياهو دحرجتها لقبول إسرائيل عضوا مراقبا في اتحاد دول أفريقيا، رفضت بشكل قاطع. ووسائل الإعلام التي رحبت بنتنياهو، ليست صحافة حرة إنما تعمل بوقا للسلطات هناك، والصحافيون الإسرائيليون المشاركون في الزيارة تكلموا عن تذمر شديد من سياسة الكبت الحكومية ولم يبخلوا في توجيه النقد، ولكن بصوت خافت لسياسة نتنياهو في الشرق الأوسط والعالم. ولذلك فهي ليست مقياسا لنبض الشارع. ورجال الأعمال الإسرائيليون الذين شاركوا نتنياهو رحلته، أكدوا أن الطريق سيكون طويلا جدا حتى تصبح هناك علاقات تجارية عميقة وكبيرة مع الدول الأفريقية. لا، بل إن القرار الذي أعلنه نتنياهو نفسه برصد مبلغ 50 مليون شيكل لتشجيع العلاقات مع دول أفريقيا، يعتبر مثارا للسخرية. فهذا المبلغ يضاهي 14 مليون دولار فما الذي يمكن عمله بمبلغ هزيل كهذا؟


فما حدث ان الزيارة بنيت على اسس هشة _كما وصفتها صحيفة نيويورك تايمز_ فقد كتب للقمة التي كان منويا عقدها التأجيل إلى اشعار اخر أو ربما الغيت، بفضل ضغوط واتصالات فلسطينية وعربية وإسلامية مع الدول الأفريقية، وقد تبنت الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي عدداً من القرارات لمواجهة القمة في حال انعقادها.


هذا التأجيل شكل، بإجماع المراقبين، صفعة سياسية الى رئيس الوزراء نتنياهو الذي أخذ يبحث عن موقع آخر لتعزيز علاقات إسرائيل وتدعيم نفوذه السياسي الذي يواجه مأزق الفساد. فتوجه نتنياهو إلى أميركا الجنوبية قبيل توجهه إلى الأمم المتحدة للمشاركة في اجتماعاتها والركض وراء سعيه لإيجاد مقعد غير دائم في مجلس الأمن، وهو الذي يتباهى برفض قرارات الأمم المتحدة وتقليص دور مؤسساتها ومنع دخول عدد من العاملين لديها إلى (إسرائيل).


على أية حال، ضربتان في الرأس توجعان, تأجيل قمة توغو وفي الأرجنتين كان في استقباله الآلاف من المعارضين لزيارته الذين تظاهروا وملؤوا الشوارع احتجاجاً على الزيارة ... وهكذا تكتمل الصفعة ورجع نتنياهو بخفي حنين.