فلسطين أون لاين

في أسرة يقتل العجز الوالدَين أمام طلبات أبنائهما

أمٌ تتمنى الموت كي يحظى أبناؤها بحياة كريمة

...
غزة/ فاطمة الزهراء العويني:

يقف الشاب "أ. ك “عاجزًا أمام متطلبات أسرته الصغيرة، بعد أنْ أقعده المرض عن العمل بالرغم من كونه في ريعان شبابه، فيما يفتك السرطان بزوجته الشابة أيضًا دون أنْ يستطيع أنْ يمد لها يد العون، فهو لا يمتلك أجرة الطريق التي يمكن لها أنْ تذهب بها إلى المشفى لكي تتابع مشوار علاجها.

لكن الزوجيْن يحاولان التغاضي عما ألمّ بهما من أوجاع أمام الوجع الأكبر وهو عجزهما عن تلبية أدنى المتطلبات لطفليْهما، فما حلّ بالأسرة لم يكن بالحسبان، فقد كانوا يعيشون حياة مرفهة لكن "الزمن دار" وتغيرت الأحوال.

نهشت الأمراض جسديْ الأب والأم، وتوقف الأب عن العمل، ويعيشون الآن في بيتٍ خالٍ من الأثاث إلا ما جاد به أهل الخير عليهم.

تقول الام: "كنتُ أعيش في هذا المكان الصغير قبل التشطيب إلى أنْ جادت علينا جمعية خيرية وركبت لي مجلى صغير، وقامت بتبليط غرفة وتجهيز حمام، ثمّ عند الغرفة الثانية والشبابيك أخبرونا أنّ التمويل لا يشملهما ولهذا فإن غرفة النوم غير مجهزة".

وفي تلك الغرفة تجد ملابس الأسرة موضوعة في أكياسٍ بلاستيكية لعدم توفر خزانة أو أي نوع من الأثاث، فيما يستقر في يمين الغرفة سرير حديدي هو كل ما تملكه الأسرة، فرَّشته الأم بواسطة مخدات وفراش قديم جلبته من هنا وهناك لتستعيض به عن فرشة سرير لا تملك ثمنها.

وفي يسار الغرفة توجد ثلاجة مهترئة، لا يوجد بداخلها سوى طناجر مملوءة بالشوربة، تحصل عليها الأسرة من محال لبيع المأكولات الشرقية في المخيم، حيث يسكبون لها بضعًا من الشوربة التي يجهزون بها الأرز للزبائن، "أُقسمها لعدة طبخات، من باب ريحة البر ولا عدمه، فيما أجمع الخضار أنا وابني من تحت البسطات في سوق الأحد الأسبوعي".

وفي مطبخ الأسرة المتواضع لا يوجد غاز ولا جرة غاز، يقول الأب: "بعتهما لكي أوفر أجرة الطريق لزوجتي لكي تذهب للمشفى ثم اصطدمنا بعقبة أنّ رحلة العلاج طويلة ومكلفة، فتوقفنا عن الذهاب للعلاج، فلم أكنْ أملك غير الغاز لكي أبيعه".

وتستعيض العائلة عن الغاز بمدفأة قديمة مهترئة تطهو فوقها حينما يتوفر لها بعض الطعام.

تقول الأم والغصة واضحة في صوتها: "أنا وزوجي بنصبر، لكن هذيْن الطفليْن يشتهيان الطعام، ويريان بيد أقرانهما ما نعجز عن توفيره لهم، قبل يوميْن فقط ارتمت ابنتي التي تبلغ من العمر أربع سنوات على الأرض وأخذت تدعو على نفسها بالموت لأننا لم نتمكن من شراء كفتة لها".

وتقف الأسرة عاجزة أمام متطلبات ابنتهم التي تعرضت لحروق بالغة قبل مدة ولم تتعافَ منها كليًا فهي بحاجة لعملية تجميل وأدوية باهظة الثمن، "العملية تكلف ألف دولار لا نملك منها شيقلًا واحدًا، بعد مفاصلة مع الطبيب المعالج رضي بأنْ أدفع 300 دولار فقط لكن حتى هذا المبلغ أنا لا أستطيع تدبيره"، تقول الأم.

ليس باليد حيلة

 وتبين أن التشوه في الجلد الذي تعانيه ابنتها يؤثر في نفسيتها كثيرًا، ولكن ليس بيد العائلة حيلة، أمام مرضها ومتطلباتها حيث أنها تطلب أطعمة وساندوتشات مثل الذي تراه بيد أقرانها بالروضة، "فكيف لي أن أوفر لها ما تريده وأنا لا أستطيع إعطاءها مصروفًا ولا حتى ساندوتش فمُعلماتها هنّ مَنْ يُطعمنها من فطورهن".

والحال بالنسبة لشقيقها الذي يشعر بالحزن الشديد عندما يستمع لحديث زملائه بالصف عما يشتريه لهم آباؤهم، فبقدوم رمضان يتمنى أنْ يمتلك فانوسًا وزينة في حين تعجز الأسرة عن توفير أدنى متطلبات حياتها اليومية، "فلولا رأفة مدير مدرسته ومدرسيْه بحالنا، لما استطاع الذهاب لرحلة المدرسة، فقدْ أخذوه على نفقتهم الشخصية".

فرب الأسرة مصاب بتليف بالرئتين ويعاني الربو والضغط والسكري وأصيب بجلطة مؤخرًا أوقفت يده عن الحركة، يقول:" لم أكنْ أعاني أي مرض، وتوالت عليّ الأمراض واحدًا تلو الآخر، حتى أصبحتُ عاجزًا عن العمل".

تشير الأم بيدها إلى فرشة تستقبل عليها ضيوفها وترفع الغطاء عنها ليتبين لنا أنها مهترئة، تقول: "وجدتها في الشارع، قد رماها صاحبها فغسلتها واستخدمتها لجلوس الضيوف عليها، فكما ترون لا يوجد لديّ أثاث يمكّنني من استقبال أحد".

وفي خلو البيت من وسائل ترفيه ووسيلة إضاءة عندما تنقطع الكهرباء بعدما تلفت بطارية "الليدات"، فإن الهاتف النقال الذي تملكه الأم هو وسيلتهم الوحيدة للإضاءة والترفيه، "نتجمع سويًا هنا نضيء كشاف الهاتف ونفتح المذياع عبره، حتى يغفو الأولاد من فرط الملل".

وفي المساء لا يوجد للعائلة من عشاء سوى ما تحصل عليه من "تكية" في المخيم من فول وحمص، "أحيانًا تأتينا خلطة فلافل فأعجز عن قليها لعدم وجود زيت قلي لديّ فأتبرع بها لفقراء آخرين".

تحصل الأسرة على مخصصات الشؤون التي لم تستفد منها سوى ثلاث مرات، "فصاحب البقالة المجاورة تجاوزت ديوننا الـ400 شيقل، فأصبح لا يقبل بيعنا أي شيء، وعدناه بأنْ ندفع له عندما نستلم الشؤون وهذا ما لم يحصل حتى اللحظة".

وبجانب ديون البقالة تتراكم على الأسرة ديون للصيدليات، ثمن أدوية الأب والأم، فيما تفتقر الأسرة لبرميل للمياه الحلوة، وتضطر الأم لقطع مسافات طويلة للحصول عليها من ماء سبيل في المسجد المجاور.

بلغة مستكينة تتمنى الأم الموت ليصبح أولادها أيتامًا تكفلهم الجمعيات الخيرية التي ترفض كفالتهم لكون والديْهم على قيد الحياة.