فلسطين أون لاين

استمع إلى شهقاته الأخيرة 

والد الشهيد محمد بلهان.. ذهب لينقذ مصابًا فصدمته شهقات طفله الأخيرة

...
والد الطفل محمد بلهان .. ذهب لمساعدة مصاب فاكتشف أنه ابنه
غزة/ يحيى اليعقوبي:

على عجلٍ ترجل فايز بلهان من سيارته لحظة مروره بطريقٍ تخلله مواجهات بين الشبان بمدينة أريحا وجنود جيش الاحتلال، عندما وجد شابًا مصابًا ملقى على الأرض ليشارك في حمله إلى سيارة الاسعاف.

تقدم للأمام قليلاً متوجهًا للعودة إلى سيارته، ليلتفت لنداءات استغاثة لحظة إصابة طفلٍ صغير برصاصة قناص إسرائيلي "مصاب، في طفل مصاب"، فكان أول من وصل لاسعافه.

اقترب من جسد الطفل دون أن يتعرف عليه أو تدله هيئته وهو ممدد على بطنه إلى اسمه أو شخصيته، فقام برفعه وقلبه على ظهره ليقف في ذهول وصدمة تصلبت نظراته في لحظات لا يصدق ما تراه عيناه وكأنه في حلم، عندما رأى ملامح وجه الطفل، لتدوي صرخة انبعثت من أعماقه بممزوجة بنبرة صدمة: "هدا ابني محمد (15 عامًا)" رافقها دموع خوف وقلق لم تتأخر بالجريان على وجنتيه.

بعينين أوشكت على الانغلاق، وصوت خافت مد الطفل يده نحو والده وهو يجلس في حضنه، ترك له نداء الأبوة الأخير "يابا" خرجت الكلمة من صوت متعب وجسد ينزف اخترقته ثلاث رصاصات على هيئة استنجاد بوالده الذي سارع بحمله وسار به نحو سيارة الاسعاف، في لحظة كان يسمع شهقاته الأخيرة وهو يعلن الرحيل شهيدًا بجريمة إعدام ذيل جنود وقناصة الاحتلال توقيعهم عليها.

إعدام بدم بارد

 "قتلوه بدم بارد، لم يرتكب ذنبًا!، كان يسير في الطريق مفتوح كما أظهر تسجيل كاميرات المراقبة بالمنطقة، فتفاجأ بوجود الجنود والقناصة، فقام قناص بإطلاق الرصاص على منطقة الكتف فسقط أرضًا، وعندما حاول النهوض قاموا بإطلاق رصاصتين عليه، ، فهل حياة الناس أصبحت عندهم لعبة" هكذا حدثت الجريمة التي رواها والده لصحيفة "فلسطين".

يثقل الحزن صوته: "خروجي من البيت كان لأجل احضار زجاجتي حليب "إبل" طلبها ابني محمد مني، وبالعادة هو يسهر بالليل وينام بالنهار، فاستبعدت أن يكون في هذه المنطقة البعيدة عن منزلنا".

لا زالت الصدمة ترافقه، متوقفًا عند مشهد الإصابة: "لم أعرف أو أتوقع أن يكون المصاب ابني، بدأت في لحظة اتساءل: كيف وصل إلى هنا؟ لم أستوعب أي شيء، عندما قمت برفعه، بقيت مصدومًا من قسوة اللحظة التي خارت فيها قوتي، فأوصلته لسيارة الاسعاف وكنت متأكدًا أنه استشهد".

اقرأ أيضاً: "حماس" تنعى الفتى الشهيد "بلهان" وتشيد بتصدي شعبنا للاحتلال في أريحا

يتهم والده جنود الاحتلال بإعدام طفله بدم بارد وبلا أي ذنب، في لحظةِ حرموا طفلاً من الحياة، وقتلوا أحلامهم، وقهروا عائلته حزنًا عليه، "ما ذنبه، ولماذا قتلوه وهو لا يحمل سلاحًا!؟" كلها أسئلة قهر تنبعث من قلب والده.

قابل الأب نجله على مائدة السحور فجر اليوم ذاته، رأه متبسما يحمل طعامًا أحضره من الخارج واستأذنه أن يتناوله مع جدته التي تعيش معه في نفس البيت، بنبرة حسرة يتحدث عن صفات نجله وأصوات المعزين تصلك من سماعة الهاتف: "محمد طيب ذو خلق، ربيته أحسن تربية وهو محبوب لدى العائلة وأعمامه وجدته، ومهما وصفته لن أوفيه حقه".

فرحة مؤقتة

أول أمس أحضر بلهان هدية كانت أمنية طلبها منه نجله وهي دراجة نارية رباعية الدفع "كراكترون"، تحضر فرحته حديث والده: "كان سعيدا، وطوال الليل وجدته يتجول بها في منطقة البلد، ويحمل معه أطفال الحي وبعض أصدقائه، وفي الصباح وجدته قد زينها بالكامل، ولم تمضِ ساعات حتى استشهد".

لدى بلهان ثمانية أبناء، كان دائمًا يخشى أن يتناقص عدد أفراد الأسرة بفعل جرائم جيش الاحتلال، فلا "ضامن لأي شخص يخرج من بيته، في ظل احتلال يقتل كل شيء لأنه فلسطيني"، لذلك كان دائمًا يبقي أولاده حوله، فحمد الذي لم يكمل تعلميه المدرسي كان يعمل معه في محل لبيع المواد الغذائية.

ولم تكتفِ قوات الاحتلال بإعدام نجله، بل قامت باقتحام بيته الثاني بمخيم شعفاط بمدينة القدس المحتلة أول أمس.

عاد بلهان إلى منزله بزجاجتي "الحليب" اللتين طلبهما نجله، بقيت الدراجة النارية على ذات الهيئة التي وضعها بها محمد، ولم يحظِ بفرصة الاستماع بها إلا يومًا واحدًا عاش خلالها فرحة مؤقتة قتلها جنود الاحتلال، طفلٌ مقبل على الحياة لديه أحلام كما باقي أطفال العالم بالعيش حياة بعيدًا عن القتل والموت والاقتحامات ورائحة الدم، كان ضحية جديدة لجرائم جيش الاحتلال التي لا تتوقف.