فلسطين أون لاين

مصلو المسجد الإبراهيمي يعيدون إليه عافيته

تقرير "رمضان" يوقظ سوق الخليل القديمة من سباته السنوي

...
سوق الخليل
الخليل/ غزة – فاطمة الزهراء العويني:

يثير شهر رمضان في نفس الخليلي بدر الداعور "58عامًا" مشاعرًا مختلطة بين الأسى والفرح، فرغم النشاط التجاري الذي يشهده السوق على غير العادة في بقية العام، فإنّ العودة بذاكرته إلى أيام شبابه حينما كان يرتاده الزبائن من الجليل حتى النقب.

فقبيل عام 1994م (مجزرة الحرم الإبراهيمي) العام الذي شهد تغيّرًا جذريًّا في مدينة الخليل، كانت البلدة القديمة حيث يقع محل الداعور الأثري تضج بالحياة طوال العام، ويزيدها شهر رمضان بهجة وجمالًا.

يعود الداعور بذاكرته إلى تلك الأيام: "على مرمى بصري كنت أركب من محطة مواصلات سيارة إلى غزة، فأصلها خلال نصف ساعة، بينما الآن يجب أن أسافر للأردن ثم مصر لكي أصلها، وكذلك الحال بالنسبة للقدس كنت أصلها خلال 25 دقيقة أما الآن فأنا بحاجة لتصريح إٍسرائيلي وإجراءات معقدة".

ويتابع: "كنا نشتري ونبيع في جميع المدن الفلسطينية، كان المحل يضج بالحياة، أما اليوم فمدينة رام الله التي لا يفصلني عنها سوى نصف ساعة أضُطر لسلوك طرق التفافية لأصلها خلال ساعتين أو أكثر، كلما تذكرتُ تلك الأيام الخوالي امتلأت نفسي بالألم والوجع".

محفوف بالمخاطر

فاليوم التنقل في مدينة الخليل نفسها أمرٌ محفوفٌ بالمخاطر وحواجز الاحتلال التي تجعله من الصعب بمكان، حتى قاربت سوق البلدة القديمة بالخليل على الاندثار بسبب صعوبة الأوضاع لكنّ الداعور واحدٌ من التجار القلائل الذين استطاعوا الحفاظ على محلهم رغم التضييقات التي لا تنتهي من الاحتلال ومستوطنيه.

ويمتلك الداعور في البلدة القديمة "بازارًا كبيرًا للحرف التراثية والسياحية" في محل تجاري أثري ورثه أبًا عن جد، فـ"الخليل" المدينة الأولى في مجال الحرف اليدوية في فلسطين، "نحن نعمل حاليًّا ضمن معادلة معقدة جدًا، المدينة مقسمة لأربعة أقسام، ما يجعل محال البلدة القديمة مقسمة بين جزء لا يمكن لأصحابه فتحه مطلقًا وأخرى يمكن فتحها جزئيًّاً، وثالثة يمكن فتحها ضمن مواسم معينة بشروط مقيدة".

ويلفت الداعور إلى أن المحلات التي يمكن فتحها كمحله تتعرض لعقوبات ومضايقات لا حصر لها، "فيمنعوني مثلًا من رفع العلم الفلسطيني، أحرقه المستوطنون بالكامل عدة مرات، وتكبدتُ خسائر باهظة".

ويفتتح الداعور محله في رمضان منذ الساعة الثامنة صباحًا وحتى أذان المغرب، "نعيش أجواء جميلة ونستعيد ذكرياتنا في هذا المكان الرائع الذي نجاهد لكيلا يستولي عليه المستوطنون، صحيح أنه ليس كرمضان قبل تقسيم الخليل حيث كنا نفتح محالنا بعد السحور ونظل فيها حتى سحور اليوم الثاني لكنه ينعش في نفوسنا الأمل بأنه ما زال بإمكاننا الصمود هنا في مسقط رأسنا بلدتنا القديمة".

فالحرم الإبراهيمي الشريف –وفق الداعور- يمنح البلدة القديمة "الروح" في رمضان، فمرتاديه للصلوات والسياحة يجوبون السوق التراثي، ويشترون من محاله، ويدخلون السرور على نفوس التجار فيه، بما يمدهم بطاقة وعزيمة كبيريْن لمواجهة اعتداءات المستوطنين والاحتلال طوال العام على أمل أن يعود رمضان مجددًا.

يضج بالحياة

أما الناشط في مدينة الخليل عارف جابر فيشعر بالسعادة وهو يجول في سوق البلدة القديمة بالمدينة في شهر رمضان الكريم للتسوق، ويرى اختلاف الوضع البائس طوال العام لسوق يضج بالحياة بالمتسوقين من الخليل وخارجها من مرتادي الحرم الشريف.

فشهر رمضان بأهميته الدينية يجلب الزوار لمدينة الخليل في حركةٍ يفتقدها السوق طوال العام بسبب إجراءات وتضييقات الاحتلال، "فتجد المحلات التراثية القديمة تفتح أبوابها، فالأجواء هنا لا يمكن وصفها أو أن تجدها في أماكن أخرى، فينشرح صدرك بدخول السوق وهو مزينٌ بزينة رمضان والمحلات تعرض بضائعها أمام أبوابها، مما لذ وطاب".

ويضيف: "هناك أجواء مبهجة وحلوة تدخل الفرح على قلوب أبناء المدينة، ويعود الفضل بذلك للحرم الإبراهيمي الشريف فسوق البلدة القديمة ملتصقٌ به، وآخر محل في السوق القديم ملاصق للحرم تماماً".

وفي السابق كان للسوق عدة أقسام كأسواق اللبن واللحامين والقزازين والعطارة وغيرها. اليوم سوق اللبن مقفل تمامًا، وأصبح له مدخل بدون مخرج، وسوق العطارين لم يتبقَّ فيه إلا بعض المحال.

ويمثل شهر رمضان وأيام الجمع منه "سلوى" لنفوس أصحاب المحال التجارية في البلدة القديمة، حيث ينقلب السكون الذي يحط على المكان طوال أيام العام ويحيله إلى منطقة أشباح، حيث تدب الحياة والألوان في السوق.