تتفلَّت السنوات من بين يدي الشابة ابتسام أبو جازية وهي تحاول اللحاق بخطيبها دون جدوى، فقد مرّت أربع سنوات على خطبتها لابن خالتها المقيم في الضفة الغربية بعد زيارة قصيرة لغزة في عام 2019م دامت أربعة أيام فقط.

لم تفلح محاولات أبو جازية "23 عامًا" في الوصول إلى الضفة بسبب جدار "الرفض الأمني" الذي ترفعه سلطات الاحتلال في وجهها.

تقول: "حاولنا الحصول على تصريح زيارة في العديد من المناسبات والأعياد، تعرضتُ لمحاولات نصب كثيرة من أشخاص ادّعوا أن بإمكانهم مساعدتي، خسرتُ الكثير من الأموال والراحة النفسية".

عشرات المرات تقدمت "أبو جازية" بطلبات للحصول على تصريح زيارة خلال أشهر رمضانية فائتة أو "تغيير عنوان" لكن دون جدوى، "حتى الطرق الأخرى مسدودة أمامنا، فالسفر إلى دولة أجنبية أو لمصر ومن هناك للأردن ثم الدخول إلى الضفة الغربية ضربٌ من الخيال لحملة هوية غزة، فهم لن يسمحوا لي بالدخول وفق ما أفادنا أناسٌ آخرون مجرّبون".

وتخشى أبو جازية أن يضيع العمر دون أن تتمكن من تأسيس حياتها بصحبة خطيبها، مطالبةً العالم الحي والمؤسسات الإنسانية بالنظر إلى معاناتها هي ومثيلاتها من السيدات الغزيات، "عددنا قليل، لكن معاناتنا كبيرة".

جدار الرفض

بدا الأمر مشابهًا ولكنه أكثر قسوة لدى السيدة صابرين شراب "36عامًا" لوجود ابنة محرومة من العيش بصورة طبيعية بين والديْها، إذ ارتبطت شراب بزوجها في عام 2014م، ثم سافر للضفة الغربية في عام 2015م واستقر هناك، ومن هنا بدأت معاناتها مع "لم الشمل".

تقول: "ذهبتُ للضفة بتحويلة علاج للإنجاب في عام 2016م، إذ إنني أعاني مشاكل مستعصية، وهناك استطعتُ إجراء عملية زراعة وتحت رعاية طبية حثيثة أنجبتُ ابنتي ثم عدتُ لغزة لأن أمور زوجي لم تكن قد استقرت بعد، وخشية على فقدانها وظيفتها الحكومية".

كان عمر ابنتها حين عادت لغزة ستة أشهر، واليوم تبلغ من العمر سبع سنوات وكانت تأمل أن تصوم يومها الأول بين أحضان والدها لكنها لم تستطع الاجتماع به، على الرغم من أنه حصل على "تغيير عنوان من غزة للضفة"، لكن كل محاولات صابرين للحاق به اصطدمت بجدار الرفض و"المنع الأمني".

تفاءلت صابرين بالمصالحة الوطنية التي أُعلنت مرارًا لعلها تكون الحل لمشكلتها عبر دمج القطاع الحكومي في الضفة وغزة، لكن هذا الأمر لم تعد تعوّل عليه أو تقيم له وزنًا، فلجأت لتقديم تصاريح لزيارة أقارب عشرات المرات، دون جدوى.

في رحلة العذاب تلك تلقت مئات الوعود وتعرضت لعمليات نصب كثيرة، "حتى أنني في إحدى المرات بعتُ أثاث المنزل، وحزمتُ أمتعتي، لكني اصطدمتُ بأن الوعد الذي تلقيته لم يتعدَ حدود الكلام الفارغ".

لم تجد صابرين بدًا سوى الذهاب لـ"مصر" إذ التقت بزوجها العام الماضي مدة شهرين ثم عادت أدراجها لغزة، "لكن العودة لم تكن بالأمر الهين أبدًا، فابنتي لم تتفهم أنها ستبتعد عن والدها ودخلت في حالة نفسية سيئة منذ ذلك الحين".

تقول: "نحن أنصاف عائلات، حُرمنا من الجو العائلي، لم نستطع أن نكون معًا في الأفراح والأتراح، نحن زوجات بلا أزواج، وأبناء بلا آباء، إلى متى؟".

المشكلة قد تصبح اثنتين

أما حنان أبو صاع فلم يدرِ بخلدها أبدًا وهي توافق على عقد قرانها من زوجها في أثناء تواجدهما في الإمارات العربية المتحدة أنّ كونها تحمل هوية غزة في حين يحمل هو هوية الضفة سيمثل عقبة لهما في المستقبل لتجد نفسها اليوم ناطقة باسم الزوجات العالقات في غزة.

تشرح بالقول: "ارتبطتُ بزوجي في عام 2012م، وأنجبتُ ثلاثة أبناء أكبرهم يبلغ من العمر عشر سنوات، مررنا بضائقة مالية في أثناء جائحة كورونا واضطررنا في إثرها على مغادرة الإمارات، فوجئنا بأنه لا يمكننا النزول سويًا للضفة فجئتُ إلى غزة على أمل أن ألتحق به سريعًا".

وهنا اصطدمت "أبو صاع" بأنه من الصعب بمكان الحصول على تصريح للذهاب للضفة، "العمر يمر، وأنا هنا محلّك سر، لجأتُ لإثارة مشكلتي ومشكلة عشرات النساء غيري إعلاميًا، أنشأنا تجمعًا لنا، فاق تعداده المئة سيدة حتى اللحظة".

وتضيف: "أسرٌ كثيرة تشتت وانتهى أمرها بالانفصال، وأُسر أخرى على وشك الوصول للمصير ذاته، إذا لم يتحرك المسؤولون في السلطة على هذا الصعيد، الذين لا يعبَؤُون بأمرنا، ولا يحركون ساكنًا لأجل منع هذا التفكك الأسري".

وتبين أن هناك قصصًا دامية تحملها هؤلاء السيدات، سواء كنّ مخطوبات والعمر يتسلل من بين أيديهن والمجتمع يضغط عليهن للانفصال أو متزوجات وأولادهن يكبرون سريعًا، يتشوقون إلى الاجتماع بأبيهم على مائدة رمضانية واحدة".

وتشير إلى أنه إذا ما بلغ الابن أو الابنة 16 عامًا حينها سيصبح لديهن بدل المشكلة مشكلتان، "فلا يمكن للأم إدراجه ضمن طلب لم الشمل، وهنا ستكون أمام خيارين أحلاهما مُر إما ترك ابن أو أكثر من أبنائها هنا أو عدم الذهاب للضفة حتى لو حصلت على تصريح بذلك".

وتعود جذور المشكلة إلى عام 2000 عندما فصلت سلطات الاحتلال الضفة الغربية عن غزة إبان انتفاضة الأقصى، لكنها أبقت على بعض الروابط الرسمية، وبعد اندحار الاحتلال عن غزة عام 2005، بقيت الروابط الرسمية ضمن الحدود الدنيا، واتبعت سلطات الاحتلال سياسة تقوم على أساس فصل القطاع بصورة تامة عن الضفة، زادت صعوبة بعد عام 2007م.