فلسطين أون لاين

لمى خاطر تكتب: حين يكون "الأقصى" عنوان المواجهة

ثمَّ تغيّر في لغة وسياسة المستويات الأمنية والعسكرية والإعلامية في كيان الاحتلال، طرأ بعد سلسلة عمليات المقاومة الأخيرة التي أعقبت مشاهد اقتحام شرطة الاحتلال للأقصى والاعتداء على المعتكفين والمعتكفات، وما رافق ذلك من تصعيد محدود على جبهتي غزة وجنوب لبنان، ذلك التغيّر يمكن عدّه خطوة إلى الوراء، اضطرت حكومة الاحتلال لانتهاجه بعد أن لمست خطورة انتهاكاتها للمقدسات وفي مقدمتها المسجد الأقصى، أو محاولاتها تغيير الوضع القائم فيه بالقوة، أو التحلل من كل الحسابات والمعادلات التي أسست لها معركة سيف القدس قبل عامين.

تلك الانتفاشة والغطرسة التي افتتحت بها الحكومة الصهيونية عهدها، وبدت فيها صارمة وحاسمة وغير مبالية بأثمان سياساتها، أصبحت لاحقًا على المحك، وتبيّن أنها لن تكون دائمة، لعدم قابليتها لجلب الأمن لهذا الكيان، أو تحقيق الردع في أوساط الفلسطينيين، أو تسكين إرادة المقاومة، أو الحد من تناميها.

اليوم ثمَّ حديث عن إمكانية اتخاذ قرار بمنع المستوطنين من اقتحام الأقصى في الأيام العشر الأخيرة من شهر رمضان، وثمَّ كلام علني في بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية ينتقد الاقتحام الأخير للأقصى وما رافقه من اعتداء على المعتكفين، بالنظر إلى ما جلبته هذه السياسة من تصعيد في عمليات المقاومة الأخيرة، التي كانت نوعية وكثيفة إلى حد ما، ومتنوعة على صعيد الجغرافيا الفلسطينية، ومؤشرة على إمكانية دخول جبهات أخرى على خط المواجهة.

صحيح أن هذا الكيان لا يؤمن مكره، ولا يمكن الاطمئنان إلى أنه قد التزم معادلة ردع جديدة، وأنه يمكن أن يصدّر للإعلام معلومات مضللة، وأن هذه الحكومة يمكن أن تكرر نهجها الدموي المطلق في التعامل مع التطورات الأخيرة، للإيحاء بسيطرتها وقوتها ونزوعها للحسم، لكن وجود اتجاه داخل الكيان يحمّل هذه الحكومة مسؤولية استجلاب العمليات الأخيرة والتسبب بالتهتك الأمني الأخير هو مؤشر إيجابي، من شأنه أن يعمق الخلاف في أوساط كيان الاحتلال من جهة، وأن يقيّد يد هذه الحكومة فيما بعد من جهة أخرى، وخصوصًا إن ظلّت كل اعتداءاتها وانتهاكاتها تقابل بتصاعد في أعمال المقاومة.

مهمّ في هذه المرحلة أن يظل المسجد الأقصى عنوان المواجهة، وأسّ الصراع مع هذا الكيان، وأن تُحشد الجهود المختلفة لنصرته وردّ العدوان عنه وتثبيت هويته، وتعزيز فكرة أن أي مساس به لن يمر مرور الكرام، بل سيوسع آفاق المواجهة ويكثّف من موجاتها، فهذا من جهة سيقوّض محاولات تقسيمه وتهويده، وسيحد من استباحته واقتحامه الذي بات أمرًا عاديًا مؤخرًا، مع أنه ينبغي ألا يصبح عاديًا أو مألوفًا أو مقبولًا، ومن جهة أخرى فإن جعل المسجد الأقصى عنوان المواجهة سيدمج تلقائيًا ساحات وأوساطًا وأعدادًا كبيرة من الناس في معركة الدفاع عنه والذود عن حياضه، شعبيًا وعسكريًا، وهو أمر لن يطيقه كيان الاحتلال، وسيخفق في التعامل معه على قاعدة الردع والحسم، مما سيضعف قبضته ويلزمه بالتراجع.

ومع الوقت ستدرك المستويات الأمنية والسياسية والعسكرية في هذا الكيان أن واقعاً جديداً قد بدأ يتشكل، لا مجال فيه ليد إسرائيلية مطلقة أو لسياسات بلا كلفة أو حساب، وأن الشعارات الانتخابية المتطرفة لن تلبث أن تتلاشى وتفقد فاعليتها حين تواجه واقعًا مختلفًا بطبيعة الفاعلين فيه وما تفرزه توجهاتهم من فعل وثوابت ورؤى وخطوات متقدمة، وانعتاق من مرحلة الاستضعاف نحو المبادرة لصياغة مراحل جديدة، مختلفة المعالم والمعادلات والنتائج.