لا يختلف اثنان بأن العدو الإسرائيلي لا يكف عن توتير الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو الذي يبادر في العدوان على المقدسات الإسلامية، وعليه فإن تنظيمات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، تبادر إلى التعامل مع العدو الإسرائيلي بلغة الصواريخ التي يفهمها جيداً، وهذا الذي حدث في جولة التصعيد الأخيرة، حين اعتدى الصهاينة على المعتكفين في المسجد الأقصى، بهدف إفراع المكان من المسلمين، وإفساح المجال للمتطرفين اليهود، ليمارسوا خرافاتهم الدينية.
كان المسعى الإسرائيلي أن يمر العدوان على المقدسات الإسلامية دون تدخل غزة، ودون الربط بين الساحات في الضفة الغربية ولبنان وفلسطيني 48، وهو المشهد الذي هزم الإسرائيليين في معركة سيف القدس مايو 2021، حين وقفت إسرائيل عاجزة أمام المشاعر الدينية التي تأججت في شهر رمضان، وقد ارتفع منسوب التعاطف مع القضية الفلسطينية، حتى صارت المقاومة نقطة التقاء كل مشاعر الوفاء العربية والإسلامية.
دخول غزة على خط المواجهة لم يكن للاستعراض، ولم يكن لجس النبض، دخول صواريخ غزة كانت رسالة تحالف مع المعتكفين في المسجد الأقصى، ورسالة تهديد بأن غزة قد أعدت نفسها لمواجهة بعيدة المدى، وهذا الذي أربك الحسابات الإسرائيلية، وفرض عليها البحث عن تهدئة، بعيدًا عن حرب مفتوحة ضد أكثر من جبهة، في شهر رمضان، وما يحمله شهر رمضان من تطورات لا تصب في صالح العدو.
جرأة حركات المقاومة الفلسطينية في اتخاذ قرار المواجهة أثارت اهتمام الخبراء والمُحللين الإسرائيليين، الذين أكدوا تمكن المقاومة الفلسطينية في الأيام الأخيرة من فتح عدّة جبهات ضدّ دولة الاحتلال في آنٍ واحدٍ، لافتين إلى أنّ هذا الأمر بحدّ ذاته يُعّد انتصارًا لحركة حماس، صاحبة البيت في غزة، وبالمُقابل لا يصب في مصلحة الكيان الصهيوني، غير المُستعِّد لحربٍ على عدّة جبهات في آنٍ واحدٍ.
لقد نجح الإسرائيليون بالهروب من معركتين في شهر رمضان؛
المعركة الأولى كانت في أول يوم من شهر رمضان، وهي معركة الأسرى، وقد خضعت إسرائيل، واستجابت لمطالب الأسرى، ونجحت بالهروب في أول مواجهة، كانت ستفرض عليها في شهر رمضان.
المعركة الثانية التي عمل لها المستوى الأمني ألف حساب، معركة اقتحام المتطرفين للمسجد الأقصى، واندلاع مواجهات واسعة، وعلى عدة جبهات، وقد نجحت إسرائيل حتى هذه اللحظة بالهروب من هذه المعركة، والتخلي عن فكرة إخلاء المعتكفين.
الهروب الإسرائيلي من المواجهة في شهر رمضان، لا يعني الهروب الدائم، فإسرائيل التي تخاف من المواجهة في شهر رمضان، لا يعني أنها لا تخطط لمعركة كبيرة ضد المقاومة في غزة بعد انتهاء شهر رمضان، فالهزيمة المعنوية التي لحقت بإسرائيل في المواجهة الأخيرة، تفرض عليها رد الاعتبار، واسترداد قوة الردع، لتطمين الشارع الإسرائيلي، وهذا الذي يحتم على رجال المقاومة في غزة ولبنان أخذ حذرهم، وعدم تجاهل تهديدات آفي ديختر رئيس جهاز الشاباك السابق، الذي هدد باغتيال السنوار والعاروري، فهذا التهديد جدي، ولا يمكن السكوت عليه، أو انتظار تنفيذه عمليًا.