أعاد العدوان الإسرائيلي على المسجد الأقصى القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام العربي والعالمي، بعد فترة لعب فيها الاحتلال الإسرائيلي دورًا في ضرب مركزية فلسطين لدى العرب، بفعل اتفاقيات التطبيع مع عدة دول عربية، وفق متحدثين عرب.
وأوضح المتحدثون أنّ انطلاق الرد الصاروخي من الأراضي اللبنانية على جرائم الاحتلال واعتداءاته على المصلين بالمسجد، ثم التفاعل الشعبي العربي، أكدا أنّ فلسطين أكبر من جغرافيتها في مركزية حضورها لدى الشعوب العربية والإسلامية، وفشل أوهام التطبيع في فصلها عن عمقها العربي والإسلامي.
وتفاعلت الشعوب العربية في عدد من الدول مع ما يجري بالمسجد الأقصى وخرجت مسيرات وتظاهرات غاضبة تنديدًا بجرائم الاحتلال واعتداءاته على المصلين والمعتكفين، وطالبوا بالتراجع عن اتفاقيات التطبيع مع الاحتلال.
قضية مركزية
وقال الأمين العام السابق بالإنابة للمؤتمر الشعبي بالسودان، د. بشير آدم رحمة: إنّ "ما يجري بالمسجد الأقصى وفلسطين يُحتّم على الشعوب العربية والإسلامية التفاعل معها حيثما كان، لكونها قضية مركزية في وعي الشعوب الإسلامية في ظل ما تتعرض له من انتهاكات من الاحتلال الإسرائيلي".
وأضاف آدم رحمة لصحيفة "فلسطين"، أنه بالرغم من اتفاق التطبيع الذي وقعه النظام السوداني قبل ثلاث سنوات فإن الشعب السوداني يرفض التطبيع، مؤكدًا أن التطبيع لم يؤثر في موقف الشعب السوداني ووقوفه بجانب القضية الفلسطينية، وبالنسبة لهم يعدوها قضية مركزية حضارية.
ولفت إلى أنّ الشعب السوداني يتابع من كثب ما يجري بالمسجد الأقصى، وحالة الاستقطاب والخلافات داخل المجتمع الإسرائيلي وهي مؤشرات على قرب زوال دولة الاحتلال، فالمستقبل للحقّ وللقضية الفلسطينية وأنّ تلك الجدر التي بناها الاحتلال لن تحميه، مشددًا أنّ ذلك لا يتحقق إلا من خلال المقاومة التي تحتاج من الأمة لأن تنصرها وتدعمها.
تفاعل مختلف
ويقول مسؤول ملف مقاومة التطبيع في حزب جبهة العمل الإسلامي الأردني، محمد مروان: إنّ "هناك همًّا وقربًا جغرافيًّا يجمعان الشعبين الفلسطيني والأردني، فما حدث بالأقصى كان له أثر صادم في الأردنيين الذين بدورهم ضغطوا إلى جانب البرلمان على الأوقاف الأردنية لفتح المسجد الأقصى فترات طويلة أمام المعتكفين ليتسنى لهم صد الاقتحامات وحماية المسجد".
وأضاف مروان لصحيفة "فلسطين"، أنّ الضغط كان مرتفعًا على الحكومة الأردنية، من خلال إقامة فعاليات بمخيمات اللاجئين والمناطق الحيوية ومحاولة الوصول للسفارة الإسرائيلية، لأنّ الشعب الأردني قد تفرقه كل الأحداث وتجمعه القضية الفلسطينية، واصفًا الموقف الرسمي الأردني بالمتأخر، لأنّ له حسابات يحاول فيها عدم الإضرار بمصالحه.
ورأى أنّ الدول المطبعة تلقّت صفعة كبيرة بفعل رد المقاومة على جرائم الاحتلال بالأقصى، في حين لم تظهر الأنظمة العربية المطبعة أيّ نوع من الخجل، لدرجة أنها لم تمارس أيّ نوع من الضغط ضد الاحتلال، في حين قد يضحي الاحتلال بالمطبعين كلهم في سبيل حفظ أمنه.
واستشهد بتجربة الأردن في التطبيع مع الاحتلال، التي لم يستفد منها الشعب الأردني وأصبحت فعليًّا حبرًا على ورق، في حين يقوم الاحتلال بإحراج الحكومة الأردنية كما فعل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير مؤخرًا بوضع صورة تحتوي على خارطة فلسطين والأردن معًا، على أنها (إسرائيل) الموحدة.
ترتيبات في مصلحة القضية
من جهته أشار الخبير الأمني والإستراتيجي اللواء المتقاعد محمد المصري إلى أن تأسيس الجامعة العربية كان لأجل القضية الفلسطينية، ومنذ ذلك عدت قضية مركزية للعرب، تبعه توقيع السلطة اتفاق "أوسلو" الذي ضرب مفهوم القرار الوطني المستقل، وأعطى مجالًا للدول العربية لإقامة علاقات تسوية واتفاقيات تطبيع مع الاحتلال.
اقرأ أيضًا: صحيفة عبرية تكشف أسماء دول تتفاوض (إسرائيل) معها لضمِّها لاتفاقات التطبيع
وقال المصري لصحيفة "فلسطين": "شاهدنا عمليات التطبيع خلال السنوات الأخيرة بتطبيع أنظمة دول المغرب والبحرين والسودان والإمارات مع الاحتلال وبدأ الحديث عن ناتو عربي ومنظومة عربية أمنية إسرائيلية وأصبحت إيران العدو الأول له ولم يعد الاحتلال الإسرائيلي هو العدو".
ورأى أنّ جملة من المتغيرات حدثت ضربت المخطط الإسرائيلي، منها العدوان الإسرائيلي على غزة في مايو/ أيار 2021 في إثره اندلعت معركة فلسطينية موحدة شاركت فيها كل الساحات بغزة والضفة الغربية والداخل المحتل والقدس وحقق الشعب الفلسطيني إنجازًا حشر دولة الاحتلال في الزاوية.
ويعتقد أنّ المعركة الداخلية المحتدمة في (إسرائيل) على هوية الدولة لا تتواءم مع طبيعة حلفائها وأصبحت عبئًا عليهم بصعود حكومة فاشية، إضافة لذلك لعبت الحرب الأوكرانية الروسية دورًا في ظهور ترتيبات جديدة في النظام العالمي، أثّر في المنطقة العربية خاصة بعد مصالحة السعودية وإيران ما يؤكد أنّ هناك ترتيبات تتم بالمنطقة بعيدًا عن الاحتلال وأمريكا، وكل هذا يجري لمصلحة القضية الفلسطينية ويعيدها إلى واجهة الاهتمام العربي.