فلسطين أون لاين

نافذة مريم المقدسية.. 40 عامًا في عشق القبة المذهبة

...
نافذة مريم المقدسية.. 40 عامًا في عشق القبة المذهبة 
القدس المحتلة-غزة/ هدى الدلو:

في اليوم الأول الذي وطأت به قدماها هذا المنزل لبدء حياة زوجية لم تتمالك مشاعرها أمام ما شاهدته من النافذة، بدا المشهد ساحرًا متناهيًا في الجمال، "قشعر بدني لما شفت الأقصى وبكيت كثيرًا، ورفعت يديّ إلى السماء لأدعو له بأن يحرره من الأعادي".

اليوم مضى 40 عامًا على وطأة القدم الأولى لذلك المنزل، وما تزال المرابطة المقدسية مريم أبو نجمة تحمل المشاعر ذاتها، حتى باتت تلك النافذة المطلة على قبة الصخرة ملاذًا آمنًا كلما ضاقت بها الدنيا، تعيد إليها روحها كلما حدثتها بعينيها.

تعيش مريم "57 عامًا" مع عائلتها في منزلٍ صغير لا تتجاوز مساحته 30 مترًا، ملاصق للمسجد الأقصى المبارك، تطّل فيه نافذة مطبخها على باحات الأقصى وقبته الذهبية المشرفة.

تقول بصوت منشرح: "بيتي ملاصق لباب المطهرة، ولا يفصلني عن المسجد الأقصى الذي عشت فيه وأنجبت أبنائي إلا خطوات معدودة".

تحظى عائلة "أبو نجمة" بهذه الإطلالة الساحرة منذ عام 1967، حيث اشتراه والد زوجها ناجي أبو نجمة الذي كان أحد حراس المسجد الأقصى والمدافعين عنه من دائرة الأوقاف الإسلامية، واعتقل مدة 18 عامًا، وتوفي بعد عام من إطلاق سراحه، ليبقى هذا المنزل إرثًا لعائلته تحافظ عليه الأجيال التي بعده.

قبل ارتباطها تعلق قلب مريم بالأقصى فقد تربت فيه، وقصدته يوميًا برفقة أمها، "وعندما تزوجت سكنتُ فيه وسكن فيّ وهذا من فضل ربنا، لأتعلق فيه أكثر".

تبدأ مريم صباحها بتناولها فنجان القهوة على مسطبة النافذة المقابلة للمسجد الأقصى، والدعاء اليومي بتحرير المسجد، حتى في أثناء انشغالها في الأعمال المنزلية تفتح النافذة لتبقى أمام عيناها تتمعن في جمالها الذي يزداد ألقًا يومًا تلو الآخر، خاصة في فصل الشتاء.

تقول مريم: "هذه النافذة هي عالمي الخاص الذي لا استغني عنه، وإطلالتها على المسجد الأقصى هي روحي والأكسجين الذي أتنفسه، فبمجرد النظر إلى القبة الذهبية كأن الروح ترتد إلى جسدي من جديد بالرغم من كل المنغصات التي نعيشها، الأقصى يمثل لي كل شيء بحياتي عشت طفولتي وشبابي به، وإن شاء الله أموت وأنا مرابطة فيه".

حياة مريم بجوار الأقصى وبيتها المطل عليه كفيل أن يبدد همومها ويبعث الطمأنينة في نفسها، ولا تغني تلك النافذة عن بذل الخطى لأجل الصلاة في المسجد الذي قد تمنع من الوصول إليه فتقف على النافذة، "هذه الوقفة كفيلة بتغيير مزاجي إذا ما عكره أي شيء، والعودة إلى طبيعتي".

وتطرقت في حديثها إلى أجواء الأقصى في الأعياد ورمضان "فهي عالم آخر، فمشاهدة الأقصى وهو عامر بأهله وناسه تشرح القلب".

مريم أبو نجمة، أم لخمسة أبناء ارتبطوا بالأقصى، مشيرة إلى أن ابنها إبراهيم الذي سكن في مخيم شعفاط بعد زواجه، يخبرها في كل زيارة كم يفتقد هذه الإطلالة، إلى أن رزقه الله بوظيفة ليعمل حارسًا للمسجد وباحاته.

مزار مقدسي

وفي بعض الأوقات ولا سيما في شهر رمضان يصبح بيتها مريم بالرغم من صغر مساحته مزارًا لعشرات المقدسيات اللواتي يقصدنها للوضوء عند ازدحام باحات المسجد، كما يقصده سياح المدينة لالتقاط صور تذكارية.

وأكثر ما يؤلم مريم أن تكون شاهدة على اعتداءات المستوطنين على الأقصى واقتحاماتهم لباحاته دون أن تستطيع تحريك ساكن، إلى جانب الضغوط والتضييق الذي ينال منهم بسبب الأحداث والمواجهات، فيمنعهم الاحتلال من إدخال بعض الاحتياجات البيتية، وتقييد حركتهم وخروجهم من البيت، وتفتيش الهويات لدفعهم لتركه، هذا عدا عن العروض المالية الإسرائيلية للتنازل عن منزلها.

وتمضي "مريم" بالقول بأن عائلتها تعد هذا البيت الذي تشترك جدرانه مع جدار "الأقصى" نقطة رباط حقيقية وإرثًا لا يمكنهم التفريط به، "لو يعطوني ألف بيت مقابل بيتي ما بطلع منه، ولا أي عرض إسرائيلي يمكن أن يكون له قيمة ويغريني للتنازل عن بيتي، لو يدفعوا مال قارون راح أبقى مرابطة وأبنائي ليوم الدين".

وتؤكد أنه مهما مر بهم الزمن، سيظّل يعتريهم شعور من يرى الأشياء لأول مرة، "فعندما أرى دموع الزائرين والمصلين.. أبكي معهم، أفرح مثلهم، وأعيش شعورهم".