الإصرار الصهيوني للجماعات اليهودية المتطرفة على ذبح قرابين حيوانية في المسجد الأقصى أخذ في الآونة الأخيرة بعدًا إعلاميًا متصاعدًا، وكان هناك مبالغة في تسليط الضوء على هذا الطقس اليهودي البائد الذي أصدر عدد من الحاخامات اليهودية فتوى بأن هذا الطقس لم يعد مطلوبًا من اليهود بعد اندثار الهيكل، ولكن إصرار الجماعات اليهودية المتطرفة على إحيائه والعمل به على اعتبار أن إعادة العمل بهذا الطقس اليهودي يعد إحياءً معنويًا للهيكل لكون المكان الذي سيذبح فيه القربان وهو قبة "باب السلسة" هو ذاته المكان الذي كان يتواجد فيه المذبح اليهودي في الهيكل المندثر، الحالة التي تجري في المسجد الأقصى اليوم يتجلى فيها الصراع الديني في أبشع صوره خصوصًا مع إقدام الجيش الصهيوني المتكرر على علميات القمع الوحشي ضد المعتكفين الآمنين ومنعهم من ممارسة هذه الشعيرة الدينية العظيمة التي تؤدى في المسجد الأقصى منذ أن فتح المسلمون فلسطين، في اعتقادي أن التعامل مع الممارسات اليهودية المتطرفة بالطريقة الحالية فيها انجرار خلف السياقات الدينية لهذه الجماعات لدرجة وصلت إلى الإعلان بأن النقطة الحاسمة في هذا الصراع الديني هي تمكن الجماعات المتطرفة من ذبح القرابين في الاقصى باعتبارها الخط الأحمر، وكأن القرابين لو ذبحت فإن المسجد الأقصى قد ضاع من يد المسلمين وهُوّد وهذا هو الخطأ الذي يمكن أن نقع فيه كفلسطينيين، وأقصد هنا أن مسألة الاعتياد على وضع خطوط حمراء يسهل انتهاكها لكونها ليست إعجازية بل ليست صعبة بالنسبة للعدو وفي ذات السياق يصور الأمر منّا على أنه أمر جليل عظيم فإذا ما انتهك "هذا الخط الأحمر" أسقط في يد شعبنا وبدا الأمر أنه انتصار للعدو وتحقيق إنجاز للجماعات الصهيونية المتطرفة، أقصد من ذلك القول بأن التعامل بهذه الطريقة مع قضية مقدسة مثل المسجد الأقصى ليست هي الطريقة الأصح أو الأسلم فعملية ذبح القرابين التي اعتبرناها خط أحمر قد تتم في لحظة إذا ما قرر شرطي صهيوني بضوء أخضر من قادته السماح لأحد أعضاء هذه الجماعات أن يمارس طقوسه بالذبح وعندها سيشعر شعبنا أن اليهود قد حققوا مرادهم، وأن المسجد هوِّد وخسرنا معركتنا في الأقصى وهذا هو عين الخطأ، والأصل أن تكون المعركة معركة على الأصل وليس الفرع ليست قضيتنا قضية ذبح قرابين ولكنها إسلامية المسجد الأقصى الخالصة، فلو تمكنوا من ذبح ألف قربان فلن يغير ذلك من حقيقة أو بقاء المسجد الأقصى إسلاميًا خالصًا، ولا يعني ذلك أبدًا أن نغض الطرف أو نسمح لهم بأن يذبحوا قرابينهم، لكن من الخطأ أن نعد ذبح القرابين هي الخط الأحمر ونقطة الحسم من قبلهم التي سيُضخمونها إذا تمت -معاذ الله- بالرغم من أنها ممكن أن تحدث ببساطة وتصويرها على أنها النقطة الحاسمة في المعركة على إسلامية المسجد الأقصى.
الأمر الآخر الذي لا أفهم مغزاه هو استمرار البعض في ترديد عبارة الوصاية الهاشمية على المسجد الأقصى، تلك الوصاية التي أنا شخصيًا لا أعرف كيف وجدت، ومن الذي فوض بهذه الوصاية، وما هي آثارها على المسجد الأقصى، وهل المسجد الأقصى بحاجة إلى وصاية في ظل الرباط والاعتكاف من المصلين الفلسطينيين الذين يدافعون على الأقصى بالدم والجهد والعرق والمال ويقدمون وكل ما يمكن أن يقدم في سبيل قضية عقائدية وطنية؟ في ظل هذه التضحية العظيمة من أجل الأقصى لا يمكن أن نسلم بوصاية إلا لمن يدفع دمه من أجل الحفاظ على إسلامية الأقصى فأوصياء المسجد الأقصى هم حراسه الحقيقيون المرابطون والمرابطات الذين ما يزالون على عهدهم مع الأقصى بالرغم من الدم والقيد والسجن والترهيب.
أوصياء الأقصى هم الشهداء أمثال التميمي وعلقم والنابلسي وغيرهم ... ولا حاجة لنا بوصاية تفرض على الأقصى وتفرض على شعبنا وتكتب عناوينها في قمم أمنية مثل النقب وشرم الشيخ، شعبنا هو الوصي الأول والأخير على المسجد الأقصى والشعوب العربية والإسلامية من بعد ذلك ظهيرًا أمينًا الى أن يحرر الأقصى من دنس الاحتلال.
لن أستغرب أن تكون اقتحامات المتطرفين للمسجد الاقصى لفرض التقسيم الزماني والمكاني تتم "بتفهم" من بعض القيادات العربية خصوصًا تلك التي تؤمن بالديانة الإبراهيمية التي تجمع الديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلامية، فكيف لمن آمن بهذه الديانة أن يرفض صلاة المتطرفين اليهود في الأقصى وهو يدعو لذلك أصلًا ويمارسه عمليًا بإقامة مجمعات دينية تضم الديانات الثلاث.
ولذلك ستبقى معركة الأقصى هي معركة عقائدية وطنية للشعب الفلسطيني ولن يغير حقيقة إسلامية وعروبة الأقصى ممارسة طقوس خرافية أو ذبح قرابين أو حتى صمت وإن شئت تواطؤ عربي.