أصواتُ رصاص معدني مغلف بالمطاط، وقنابل غاز مسيل للدموع، واعتداء على المعتكفين والمعتكفات بوحشية، تكسير مقارئ حفظ القرآن الكريم، ونسخ من المصحف الشريف تناثرت على الأرض بجانب أثاث مكسور، زجاج نوافذ محطم، صرخات نساء، شبان مقيدون بوضعية الانبطاح، هكذا حولت قوات الاحتلال "المسجد الأقصى" لساحةِ حربٍ فجر في مشهدٍ دموي انتهكت فيه حرم الشهر الفضيل.
واكبت قوات الاحتلال عدوانها الهمجي على المسجد المبارك فجر أمس، بتحويل البلدة القديمة إلى ثكنة عسكرية نصبت خلالها الحواجز ومنعت الشباب دخول الأقصى لصلاة الفجر، لتسهيل اقتحامات المستوطنين للمسجد في ساعات الصباح، التي شهدت الاعتداء على مصلين حاولوا أداء صلاة الضحى قبل أن يعتدي عليهم جنود الاحتلال بالضرب أثناء الصلاة.
إسلام مناصرة من أم الفحم في أراضي الـ48، حاولت مع غيرها من مئات المصلين والمصليات إيجاد ثغرة للعبور من أحد مداخل وأبواب المسجد الأقصى الساعة الثانية فجرًا، ومساندة المرابطين والمرابطات إلا أنّ قوات الاحتلال طردتها.
ثكنة عسكرية
بنبرة صوت مرهق بعد ساعات دامية تروي مناصرة لصحيفة "فلسطين" قائلة إنّ المسجد تحول إلى أشبه بثكنة عسكرية من الداخل والخارج. طردونا خارج أبواب الاقصى، كنا نسمع صوت الرصاص المغلف بالمطاط من الخارج، وتكبيرات المعتكفين".
بعد انتظارها الطويل للسماح لها بالدخول لصلاة الفجر، سمحت قوات الاحتلال فقط بدخول الرجال فوق سنّ الخمسين عامًا للمسجد، إضافة للنساء، فكان المشهدُ مختلفًا عن لحظة مغادرتها للمسجد مساء الثلاثاء، تضيف مناصرة: "رأينا آثار دمار، أشبه بساحة حرب، عدد قليل تمكن من البقاء لأداء صلاة الضحى لكن الجنود اعتدوا عليهم وأزاحوهم عن مسار المستوطنين".
وتساءلت بحرقة عن الذنب الذي ارتكبه المعتكفون حتى يُسحلوا ويضربوا؟
عايشت مناصرة ما وثقته عدسات الكاميرات عن كثب، وكانت من اللواتي استقبلن المعتكفات، تستحضر المشهد "كنّ في حالة إرهاق وتعب شديدين من الضرب والتعب النفسي والإهانة، روين لي بأن قوات الاحتلال كانت تضرب بقسوة ووحشية كل من تحاول رفع صوتها بالتكبير".
من المواقف التي شحنت صمودها، لقاؤها بمسنة قادمة للاعتكاف من أم الفحم ورغم إصابتها برصاصة معدنية مغلفة بالمطاط بمنطقة الصدر وتألمها من الضرب ومشيها بخطوات متثاقلة، إلا أنها أصرت على البقاء وعدم المغادرة.
بقدمٍ متثاقلة تلف جبيرة منطقة الركبة، خرج المعتقل يزن جابر من مركز تحقيق "المسكوبية" بالقدس بعد ساعات من الاعتقال تعرض خلالها للإصابة بقنبلة صوت ورصاصة مطاطية، وسلمته قوات الاحتلال مع عشرات المعتقلين قرارات إبعاد عن الأقصى لمدة أسبوع، قابلة للتجديد لمدة ستة أشهرٍ أخرى.
"أجسادنا تلقّت كل الضربات" بهذا لخّص جابر ثبات المعتكفين الذين تعرضوا لهجوم مباغت تحولت معه لحظات الصلاة والطمأنينة إلى عدوان دامٍ، يعود لبداية الحدث: "كنا نؤدي صلاة التهجد. سمعنا أصوات تكسير فبدأ المعتكفون يغلقون أبواب المسجد، كنا مستضعفين لا نستطيع فعل شيء، فجأة دخلت قوات كبيرة وبدأت تلقي قنابل صوت وتعتدي على الشباب".
اقرأ أيضًا: قوات الاحتلال تقتحم الأقصى وتعتدي على المعتكفين فيه
يتباطأ المشهد أمامه يطل على مشاهد الاعتداء: "رأيتُ رجلًا وسيدة كبيرين في السن أُصيبا. شباب خرجوا بلا أحذية، بعضهم ألقوهم على بقعة مياه على أرضية المسجد وخرجوا مبتلين، أحد الشبان أصيب برصاصة مطاطية برأسه وكانت الدماء تملأ وجهه، لكنهم لم يهتموا لأمره وتركوه على حاله".
مؤشرات للعدوان
وبحسب الباحث في شؤون القدس زياد ابحيص، يؤشر العدوان الإسرائيلي على المعتكفين، إلى أنّ قوات الاحتلال تعمل على تحويل المسجد الأقصى من مقدس إسلامي إلى مقدس مشترك وهذا شيء أكبر من التقسيم الزماني.
وقال ابحيص لصحيفة "فلسطين": "إنّ شرطة الاحتلال تعمل على إعادة تعريف الأقصى كمقدس، بأنها هي من تدير المسجد وتسمح للصلاة للمسلمين وكذلك للمقتحمين اليهود فتريد تكريس أنها من يحدد أوقات الصلاة".
وأضاف أنّ العدوان يؤكد أنّ كيان الاحتلال يتبنى عدوان "عيد الفصح" بكامل طاقته، وهو قرار سياسي توضع لأجله مقدرات الكيان، وأنّ قواته عازمة على فرضه بجميع الأشكال، وبالتالي لم يعد تسمح حتى بالتنغيص على الاقتحام بالتكبير، ولا إغلاق مصلى الباب القبلي على المعتكفين.
وشدد على ضرورة عدم الاستهانة بفكرة "القربان" لأنه عنوان حقيقي تعمل جماعات الهيكل المزعوم على تنفيذه منذ تسع سنوات، ويستغلون نفوذهم السياسي حاليًّا لتحقيقه، فمن يوجه الأوامر بالأقصى هو ما يسمى وزير "الأمن القومي" الفاشي إيتمار بن غفير.
وعد ابحيص الاعتكاف غطاءً بشريًّا يسمح بتواجد الناس في الأقصى في ساحات الصباح للدفاع عنه وإفشال الاقتحامات، مشددًا على أنّ معركة الاعتكاف باتت مركزية ويجب التعامل معها بهذا القدر.