اعتاد أسامة الديك "أبو سنينة" طوال شهر رمضان المبارك ومنذ عشر سنوات القدوم من مدينة الخليل للاعتكاف بالمسجد الأقصى، لا يعود إلى منزله إلا نهاية كل أسبوع لتفقد عائلته وتأمين احتياجاتهم قبل العودة للاعتكاف مرةً أخرى، مدركًا "خطورة ما يتعرض له المسجد من مخططات تهويدية" وأهمية الرفد البشري للأقصى.
قبيل ساعات الإفطار من كل يوم يجهز الديك (43 عامًا) طعامه المكون من "سلطة خضار" تحت أشجار المسجد الأقصى، وبعد أداء صلاتي العشاء والتراويح يعتكف برفقة عشرات المصلين حتى الفجر، إذا لم تخرجهم قوات الاحتلال بالقوة.
ومنذ مطلع شهر رمضان، يحاول المصلون فرض الاعتكاف، فيما تخرجهم قوات الاحتلال بالقوة وتعتدي عليهم وتصدر بحق بعضهم قرارات إبعاد وتبعث برسائل تهديد لهم عبر هواتفهم، إلا أن المعتكفين يصممون على البقاء والدفاع عن الأقصى.
كعادته نصب الديك خيمة له للنوم في باحات المسجد الأقصى إلا أنه وقبل يومين تفاجأ بمصادرة قوات الاحتلال لها بعدما تتبعته طائرات تصوير إسرائيلية حددت مكانها، فبات ينام داخل المصلى القبلي.
راحة نفسية
وإذا تعرّض المصلى لاقتحام قوات الاحتلال، يذهب للنوم في بيوت شقيقاته بالقدس ثم يعود لأداء صلاة الفجر والبقاء داخل الأقصى حتى ساعات المساء.
عن الاعتكاف يقول لصحيفة "فلسطين": "الاعتكاف بالأقصى مميز، والأجواء فيها راحة نفسية بمجرد جلوسك في هذه الباحات، اعتدت كل عام في شهر رمضان القدوم مهما كانت صعوبة الأوضاع".
ولا يقتصر تواجده داخل الأقصى في شهر رمضان بل يحرص على المكوث في الأيام العادية خاصة يوم الجمعة، لمواجهة أسلوب الاحتلال الساعي لتفريغ الأقصى من المصلين، فـ"الأقصى بحاجة إلى أن يبقى عامرًا بالمصلين على مدار الأيام والأسابيع والشهور".
عايش ابن الخليل كل الأحداث التي شهدها المسجد الأقصى في ساعات المساء خلال اقتحام قوات الاحتلال المصلى القبلي لطرد المعتكفين مؤخرًا، يروي بعضًا من التفاصيل: "يغلق المعتكفون الأبواب لتلاوة القرآن الكريم وصلاة التهجد، فنمنع من العبادة في مسجدنا، ونتعرض للضرب والتكسير ومصادرة الهواتف حتى يخاف الناس ولا تأتي للصلاة".
ولفت الانتباه إلى أن التضييق على المعتكفين اشتد خلال السنوات الثلاث الأخيرة، فيما كانوا يعتكفون بحرية أكثر قبل ذلك.
العام الماضي كانت خيمة الديك تتواجد بين عشرات الخيام من المرابطين والمعتكفين القادمين من كافة المدن، ولكن مع إجراءات الاحتلال بالتضييق والمنع باتت خيمته الوحيدة قبل أن يصادرها منه.
ولدى الديك أربعة أبناء (ابنان وبنتان) أكبرهم إيليانا بالثانوية العامة يليها ابنه صلاح (14 عامًا) الذي يسد محله بالبيت، وقبل مغادرته للأقصى ترك كل ما تحتاجه عائلته، قائلا: "أمّنت بيتي من مصاريف لرمضان وملابس للعيد وأكثر مما تحتاجه، وهنا أحضر مالًا معي وأقوم بدعوة المصلين لتناول طعام الإفطار".
تغمر صوته الابتسامة: "أشعر بالسعادة عندما أفطّر صائمًا أو أقدم شيئًا فهذا ما يريح النفس".
ورغم أن الكثير من المصلين يقدمون له أطباقًا مختلفة من الطعام إلا أنه يصمم على الإفطار على طبق "سلطة الخضار" الذي يعده، "لأنني أجد راحتي فيه وظروف الرباط والصلاة بالأقصى تحتاج إلى طعامٍ خفيف للتفرغ للعبادة"، كما يقول.
ارتباط عميق
وعلى مدار عشر سنوات وثَّق علاقة ارتباط بالمسجد لا يستطيع التخلي عنه لحظة واحدة، فبين حجارة المسجد وباحاته وداخل مصلياته يجد راحة نفسية لا يستطيع العيش دونها.
تنهد بعمق حبه للأقصى: "أجد سكينتي وراحتي عندما أشتم هواء الأقصى، وفي أثناء وجودي أساعد الحراس الذين يعرفونني جيدًا، في تنظيف أرضية المسجد، كما أنني استطعت كسب محبة الناس، وإذا لم أزر الأقصى أبقَ مكتئبًا ولا يبرد شوقي إلا بلقائه وزيارته".
يكرس الديك حياته للدفاع عن الأقصى، ويعد برنامجًا يوازن فيه بين عمله وكسب الرزق وتلبية احتياجات أسرته والتفرغ للمسجد، مشددًا أن "الوضع الذي يشهده المسجد خطير ويحتاج من الشعب الفلسطيني الاستنفار للدفاع عنه".
قبل حصوله على تصريح للصلاة بالأقصى قبل عشر سنوات، عانى الديك 17 عامًا من "المنع الأمني" بسبب "نقطة سوداء" وضعتها سلطات الاحتلال في سيرته بزعم أنه من "المحرضين" ضدها.
ولم يتعرض هذا المرابط للاعتقال أو الابعاد، لكن لم يسلم يجسده من هراوات القمع واعتداءات قوات الاحتلال في اقتحاماتها المتكررة للمصلى أو في اقتحام خيمته وإفساد خلوته في تلاوة القرآن أو غفوته للنوم.