اتفاق أوسلو الذي وقع في مثل هذا اليوم من عام 1993 لم يبق منه سوى مسماه وعنوانه الأساس وهو تحويل السلطة الفلسطينية وكيلا أمنيا للاحتلال ، فالاتفاق لم يكن أبدا هدفه تحقيق حقوق الشعب الفلسطيني وسيادته ، بل كان اتفاقا أمنيا بامتياز ضمن بقاء الاحتلال دون أن تتحمل "إسرائيل" كلفة الاحتلال ، وأكمله اتفاق باريس الاقتصادي الذي شدد الخناق على رقاب شعبنا.
كل مدرك للفهم السياسي يعلم جيدا أن الاتفاق كان محاولة إسرائيلية دولية للالتفاف على انتفاضة الحجارة ، بيد أن مهندس أوسلو محمود عباس الذي لم يؤمن يوما بالمقاومة سواء بالحجارة أو غيرها ماضٍ في تنفيذ أمين للاتفاق، متمسكا به رغم فشله ، بينما الاحتلال لم يطبق أيا من التزاماته بل لم يبق انتهاكا إلا ارتكبه ، وكرس الاحتلال والهيمنة على كل مقدرات الشعب الفلسطيني، والسيطرة الكاملة على القدس ومطالبة السلطة بالاعتراف بيهودية الدولة !!.
أوسلو عنوان للتخلي عن القيم والثوابت والمبادئ وهو النكبة الأكبر لنضال شعبنا ، فرق أبناءه بعدما كان شعبا موحدا يقاوم احتلالا نهب الأرض والمقدسات ، وتحول كثير من المناضلين الفلسطينيين إلى عبيد للراتب الشهري والوزارة والمصالح و(بطاقة VIP) ، وانقلبت المفاهيم الوطنية وأصبحت مقاومة الاحتلال جريمة ، وألغي الميثاق الوطني الفلسطيني ، وتحولنا إلى أقلية داخل سجن يسيطر عليه الاحتلال ، ونحن نتقاتل داخل السجن على أوهام صنعها الكيان الإسرائيلي !!.
فصائل فلسطينية وازنة لم تستطع وقف تنفيذ الاتفاق المتسلح بقوى إقليمية ودولية ،إنما عارضته وشككت في تنفيذه ،وحذرت من أنه لن يوصل إلى دولة فلسطينية مستقلة ، لكن فصائل أخرى وشخصيات متنفذة صفقت للاتفاق ليس حبا للوطن بقدر ما سيحقق مصالحها الحزبية الفئوية أو الشخصية !!.
ولقد أحسنت الفصائل التي شاركت في الانتخابات حتى لو بمظلة أوسلو ، فهي كالأسير داخل السجن وجب عليه النضال لتحسين ظروف معيشته بكل الوسائل ، والعمل على تغيير الواقع الذي يحياه لأفضل مستوى ممكن ، وإذا كانت قوى المقاومة التي فازت بهذه الانتخابات محاربة ومحاصرة وتتمتع بقوة وجماهيرية شعبية فما بالك لو هذه القوى خسرت الانتخابات أو ضعفت ؟ ماذا سيحدث لها من الاحتلال أو من فريق الحياة مفاوضات والتنسيق الأمني المقدس ؟؟!!
إن واقع الحال في الضفة المحتلة يعطينا إجابة عن السؤال السابق من تضاعف معدلات الاستيطان ومصادرة الأرض وانتهاك المقدسات وهدم المنازل والاعتقالات والقتل للشعب الفلسطيني وتلاشي ما يسمى حل الدولتين ، فيما تحولت مناطق السلطة إلى حكم ديكتاتوري بوليسي بعدما أصبحت حركة التحرر الوطني صديقة للاحتلال !! .
إن ما آلت إليه الأمور بعد نحو ربع قرن على الاتفاق المشؤوم واعتراف أصحابه بفشله وكارثيته - وحتى لا نبقى نبكى على اللبن المسكوب - تفرض على قيادة السلطة والفصائل العمل وبكل قوة وسرعة على استنهاض المشروع الوطني الفلسطيني والذي يبدأ من سحب اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بـ"إسرائيل" وإلغاء أوسلو وإعادة بناء منظمة التحرير لتصبح الإطار الوطني الجامع للكل الفلسطيني وفقا لتفاهمات بيروت الأخيرة ، والشروع بتعزيز صمود الشعب الفلسطيني ، وإعادة المعادلة الصحيحة أن الأرض الفلسطينية محتلة وشعبها يقاوم بكل الأساليب واللغات ضمن منظومة وطنية متفق عليها من أجل الحرية والاستقلال ، فماذا ننتظر ؟؟!.