على مقربة من السياج الفاصل بين قطاع غزة والأراضي المحتلة عام 1948، جددوا عهد ارتباطهم بالأرض، شباب وشيوخ ونساء وأطفال وعائلات جاؤوا إلى شرق غزة من جميع محافظات القطاع إحياء للذكرى الـ47 ليوم الأرض الذي يوافق 30 مارس/ آذار من كل عام، يؤكدون أنّ فلسطين وحدة واحدة، ترنو قلوبهم العطشى للعودة لمدنهم وبلداتهم الواقعة في الجانب الآخر من السياج الفاصل.

 تجولت صحيفة "فلسطين" بين تلك الجموع ورصدت لقطات وصورًا، عبّرت عنها ملامح المشاركين وألسنتهم.

تجلس المصابة أم أحمد البنا وهي لاجئة من مدينة يافا على كرسي متحرك تتوشح علم فلسطين وترفع راية النصر، تتحدى آلام إصابة في قدمها تعرضت لها في أثناء مشاركتها في مسيرات شعبية ضد الاحتلال في 7 ديسمبر/ كانون الأول 2018 وما زالت تعاني آثارها.

بنبرة تحدٍّ وابتسامة ترفعها ملامحها كعلامة نصر أمام محتل أراد كسر إرادتها قبل أربع سنوات لحظة إصابتها، تقول: "جئت هنا لإحياء يوم الأرض، لأنّ هذا اليوم يعني لنا الكثير وهو محفور بتاريخنا".

اقرأ أيضًا: مسيرات حاشدة في غزة وسخنين.. الشعب الفلسطيني يُحيي ذكرى يوم الأرض

في مخيم "ملكة" توافد مئات المواطنين من الأعمار المختلفة، زهرات يرتدين الثوب الفلسطيني، وأشبال يحملون بنادق بلاستيكية، تصدح حناجر الشباب هاتفين هتافًا جماعيًا: "عالقدس رايحين شهداء بالملايين"، مكبرات الصوت لم تتوقف عن الغناء لفلسطين: "يلا امشوا معانا عفلسطين"، كبار سن يحملون مفاتيح العودة، ويرتدون الملابس التراثية، لم يخلُ المشهد من توافد العائلات التي جاءت للمشاركة في هذه الفعاليات الشعبية المهيبة.

بذور الانتماء

بينما أنزل عدنان عبد الله بناته وزوجته من سيارته، امتزج صوته وملامحه بعبارات ممتلئة بالانتماء لوطنه قائلًا: "جئتُ مع عائلتي للمشاركة اليوم، لنقول للاحتلال: إننا لن ننسى أرضنا، وكي أغرس بذور الانتماء في نفوس أبنائي".

في المكان نفسه، كانت الحاجة شفاء أبو حسنين (60 عامًا) تتأمل الفضاء الواسع، تعيد تقليب الأحزان في ذاكرتها لما حدث معها في 14 مايو/ أيار 2018 عندما ودعت نجلها المسعف موسى أبو حسنين في أثناء محاولته إسعاف المصابين وكانت بالقرب منه واستشهد بين ذراعيها وظلت تحتفظ بشال كانت ترتديه امتلأ ببقع من دمائه.

لم تتعاف أبو حسنين من جرح الفقد، لكنها جاءت لتجدد عهدها مع نجلها قائلةً: "هو يوم حزين مر عليَّ لا أستطيع نسيانه، ومشاركتي هي وفاء لدماء ابني التي سالت هنا في محاولة لإسعاف المصابين، ونحن شعب يتحدى الاحتلال، ومتوحد مع بعضه حتى نحرر هذه الأرض".

داخل المخيم، جلس الحاج محمد القريناوي (66 عامًا) برفقة صديقيه، وثلاثتهم يرتدون عباءة وحطة وعقالًا، كانوا يتأملون الأراضي الشاسعة من خلف السياج الفاصل، وقال: "يذكرني هذا المكان بأرضنا التي سنعود إليها قريبًا، ويذكرنا بكيف احتلَّ الصهاينة أرضنا بالقتل والتدمير والمذابح".

بينما لم تتوقف الخمسينية أم فضل عبد العال (50 عامًا) التي اصطحبت بناتها وجيرانها إلى مخيم ملكة، عن التفاعل مع فقرات الفعالية، يلوحن بالعلم الفلسطيني وشارة النصر.

ترفع عبد العال ملصقًا مكتوب عليه: "فلسطين كلها مقاومة بالضفة والداخل والقطاع"، وتقول إن المقاومة وحدت شعبنا.

"جئنا إلى هنا لتجديد العهد والبيعة لأرض فلسطين، ولنقول إنّ الاحتلال إلى زوالها" قالها الشاب محمد الزرد (33 عامًا) مصطحبًا طفله معه، أما الطفلة زينب (9 أعوام) التي كانت ترتدي ثوبًا تراثيًّا برفقة شقيقتيها ترافقهن والدتهنّ وجموع من نساء العائلة فجاءت للتعرف على قرية "المسمية" قضاء غزة، متحديةً الاحتلال "أرضنا حتمًا ستعود".

رسالة وحدة

توافد المواطنون من جميع محافظات القطاع إلى مخيم "ملكة" يحملون رسالة واحدةً، بإحياء يوم الأرض وتأكيد عمق انتمائهم لفلسطين، الحاج علي محمد (67 عامًا) أحد الذي جاؤوا من مخيم النصيرات وسط قطاع غزة.

اقرأ أيضًا: في يوم الأرض .. الفصائل تحذّر الاحتلال من محاولات شطب المدن التاريخية بالداخل المحتل

يتكئ الحاج محمد على عكازه يمشي بخطواتٍ متثاقلة لم تمنعه من المشاركة، مشددًا على أهمية نقل حكاية يوم الأرض للأجيال لتعزيز حبهم لها، عادًّا إحياءه شرق غزة "يبثُّ الروح المعنوية لكل فلسطيني".

وعلى ذات الحال، جاء الشاب عبد الهادي درابيه (21 عامًا) من شمال القطاع للمشاركة، وقال بنبرة تحذير وملامح غاضبة: "نقول للمتطرف بن غفير: كما ظهر الشهيدان ضياء حمارشة ورعد خازم فإنّ فلسطين مليئة بأمثالهما الذين سيخرجون لكم من كل مكان".

فيما يُمثّل يوم الأرض بالنسبة للشاب أسامة النجار "يومًا مصيريًّا يُحدّد هويتنا وتاريخنا ويُرمز لهما كشعب واقع تحت الاحتلال، ولإيصال رسالة لدور الشباب المهم في تحرير الأرض ونسف مقولة مؤسس الصهيونية دافيد بن غوريون الذي راهن على أنّ "الكبار يموتون والصغار ينسون"، مؤكدًا أنّ الصغار "يحملون فكرة العودة التي لم تمت بموت آبائهم".