يتتبع بعض الناس إمامًا بعينه يصلون أينما صلى لحسن صوته وقراءته، ويتنقل آخرون بين المساجد بحثًا عن الأصوات الندية في القرآن، ولا يلتزمون مسجدًا معينًا أو إمامًا واحدًا لإتمام ختمة القرآن في التراويح، وقد يذهب الشخص إلى مسجد بعيد لذلك الغرض ويترك الصلاة في مسجد الحي أو المسجد القريب، فهل يجوز هذا الفعل؟
يجمع معظم الناس على أن القلب يخشع ويخضع عند سماع القرآن من القارئ الذي يكون حسن الصوت ويتقن القراءة ويتغنى بالقرآن ويجيد التلاوة، ولذلك قال الشيخ عبد الله بن جبرين-رحمه الله- في إجابته عن هذه المسألة بأنه: "إذا وجد المسلم الخشوع وحضور القلب خلف الإمام الذي يكون كذلك، فله أن يصلي خلفه وأن يأتيه من مكان قريب أو بعيد".
وأضاف: "إن الصلاة خلف إمام حسن الصوت تجعل المسلم يقبل على صلاته ويخبت فيها، ويتأثر بسماع القرآن فيخشع قلبه فينصرف منها وقد ازداد إيمانه واطمأن إلى كلام الله تعالى وأحبه، ثم يألف القرآن وقراءته وتدبر معانيه ما يقوده إلى تطبيق أحكامه في حياته".
وذكر حديث البراء بن عازب عن النبي ﷺ قال: "حسنوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنًا"، وما رواه أبو هريرة عنه ﷺ أنه قال: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن"، ثم قال: "ومن هذه الأدلة يباح اختيار الإمام الذي يجيد القرآن وحسن الصوت، وإن كان بعيدًا فالذهاب إليه أكثر أجرًا".
وبعد توضيح رأيه في المسألة، نبّه الشيخ ابن جبرين على ضرورة أن يعمل أئمة المساجد وفقًا للسنة النبوية بتحسين أصواتهم بالقرآن حتى يحصل الخشوع والطمأنينة في الصلاة.
وأن الأولى للمصلي أن يستمر خلف إمام واحد من أول الشهر إلى آخره حتى يستمع إلى القرآن كله ويركن إلى قراءته وحسن صوته، ولا ينبغي له التنقل كل يوم في مسجد فيفوت عليه سماع بعض القرآن لوجود تفاوت بين الأئمة في طول القراءة وقصرها.
وبه أفتى الشيخ محمد العثيمين-رحمه الله-وقال: "أرى أنه لا بأس بالبحث عن الإمام حسن الصوت، لكن الأفضل أن يصلي المسلم في مسجده ليجتمع الناس حول إمامهم وفي مسجدهم، وحتى لا تخلو بعض المساجد من الناس ويكثر الزحام في مساجد أخرى، فبقاء الناس في مسجدهم أفضل لما فيه من اجتماع حول الإمام والسلامة من الزحام والمشقة".
وأيّد الفتوى الشيخ صالح بن فوزان – رحمه الله- ونبّه على أنه: "ينبغي للإمام أن يحسن صوته ويعتني بإجادة القرآن محتسبًا الأجر عند الله لا من أجل الرياء والسمعة، وينبغي للمسلم أن يلتزم مسجده ولا يكثر التنقل لما فيه من إضاعة للوقت، ولتجنب تجمهر الناس في مساجد محددة، فهذه ظاهرة غير مرغوب فيها لأن فيها تعطيلًا لمساجد أخرى، وهي مدعاة للرياء وفيها تكلف غير مشروع ومبالغات".