يمتهن الرجال العديد من المهن والأعمال الشاقة التي تحتاج إلى جهد بدني كبير كالعمل في البناء أو المخابز وعند الأفران أو العمل في صهر المعادن وغيرها، فهل يرخص لأصحاب تلك المهن الفطر في رمضان بسبب المشقة الحاصلة لهم؟
جاء في فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء أنه إذا تعارض أداء ما فرضه الله من العبادات مع عمل الدنيا وجب على المسلم أن ينسق بينهما حتى يتمكن من القيام بهما جميعًا.
وفيما يتعلق بأصحاب المهن والأعمال الشاقة وضع أهل العلم ضوابط وقيود ليقوم المكلف بحق الله تعالى عليه.
وبيّن العلماء أن الأصل هو وجوب الصوم عليهم، والأولى للمسلم في مثل هذه الحالات أن يجعل الليل وقت عمله لدنياه، فإن لم يتيسر ذلك أخذ إجازة من عمله في شهر رمضان ولو بدون مرتب، فإن لم يتيسر له ذلك، بحث عن عمل آخر يمكنه فيه الجمع بين أداء الواجبين دون أن يؤثر عمل الدنيا على طاعة الله".
وقال العلماء بوجود أن يفعل المسلم ذلك ابتغاء وجه الله تعالى، ولن يعدم وجهًا من وجوه الكسب المباح الذي يمكنه معه القيام بما فرضه الله عليه من العبادة، وذلك مصداقّا لقول الله تعالى: "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا" (الطلاق:2_3).
وإن لم يتيسر للمسلم شيء من ذلك كله واضطر إلى البقاء في عمله الشاق، فالواجب عليه أن يصوم حتى يحس بمبادئ الحرج فيتناول من الطعام والشراب ما يحول دون وقوعه في الحرج، ثم يمسك بقية يومه، ويكون فطره سرًا ولا يجاهر به أمام الناس، وعليه القضاء في أيام يسهل عليه فيها الصيام.
وبذلك أفتى الشيخان عبد العزيز بن باز وعبد الله بن حميد-رحمهما الله- فاتفقا على أن "الأصل وجوب صوم رمضان، وتبييت النية له من جميع المكلفين وأن يصبحوا صائمين إلا من رخص له الشارع الفطر كالمريض والمسافر، أما أصحاب الأعمال الشاقة فيدخلون في عموم المكلفين".
وجاء في قولهما: "فمن اضطر منهم للفطر أثناء النهار فيجوز له أن يفطر بما يدفع اضطراره، ثم يمسك بقية يومه ويقضيه في الوقت المناسب، ومن لم تحصل له ضرورة وجب عليه الاستمرار في الصيام، وهذا ما تقتضيه الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، وما دل عليه كلام المحققين من أهل العلم من جميع المذاهب".
وعلى المسلم أن يبذل ما بوسعه لإقامة أمر الله تعالى، ولا يتهاون فيها ويبادر إلى الفطر بمجرد الإحساس بالمشقة، وليعلم أن التكاليف الشرعية لا تخلو من المشقة المحتملة.
وتجدر الإشارة إلى أن الإفطار في نهار رمضان بغير عذر شرعي كبيرة من الكبائر ويلزم من فعلها التوبة الصادقة، وقضاء ما أفطره، وهذا قول عموم أهل العلم وما أجمعوا عليه.
ويعد الإفطار في رمضان بغير عذر جريمة يعاقب عليها القانون، بنص قانون العقوبات الفلسطيني رقم (16) من المادة (272).