اتخذت سلطات الاحتلال الإسرائيلي من سياسة مصادرة الأراضي الفلسطينية في الداخل المحتل عام 1948 سبيلًا لتهجير الفلسطينيين تحت ذرائع ومبررات "واهية"، في حين يعمل جهاز التشريع الإسرائيلي بآلية متواصلة على سن قوانين عنصرية تبيح مصادرة الأراضي.
ويحيي الفلسطينيون في 30 آذار من كل عام يوم الأرض الفلسطيني الذي تَعود أحداثه لآذار 1976 بعد أن صادرت سلطات الاحتلال 21 ألف دونم من الأراضي، الأمر الذي قوبل بإعلان الإضراب العام وانطلاق مسيرات من الجليل إلى النقب اندلعت على أثرها مواجهات أسفرت عن استشهاد ستة فلسطينيين وإصابة واعتقال المئات.
وتفيد معطيات "لجنة الدفاع عن الأراضي" بأنّ الاحتلال صادر نحو مليون ونصف المليون دونم في الداخل المحتل (عدا منطقة النقب)، منذ احتلال فلسطين عام 1948 حتى العام 1976.
ويؤكد عضو لجنة التوجيه العليا لعرب النقب أسامة العقبي، أنّ المؤسسة الإسرائيلية الظالمة تواصل مصادرة الأراضي في الداخل المحتل وخاصة النقب من أهلها الفلسطينيين الأصليين منذ أحداث النكبة ضمن سياسة التهجير الممنهجة.
ويقول العقبي في حديث مع صحيفة "فلسطين": "يوم الأرض حدث مهم لتوريث قيم حُب الأرض في أبنائنا بأنها ليست للمساومة أو التفريط"، مشددًا "لن نفرط بالأرض بالرغم من التضييق والمصادرة وحرق المزروعات".
ولم يتوقف الأمر عند مصادرة الأراضي فحسب، بل دأبت سلطات الاحتلال على تكثيف سياسة هدم المنازل في بلدات الداخل المحتل، والكلام للعقبي، الذي أكد أنّ الهدم طال مئات آلاف المنازل على مدار تلك السنوات.
ويستدل العقبي بإحصائيات إسرائيلية تفيد بأنّ قوات الاحتلال تهدم كل ست ساعات "منزلًا" في النقب، عادًّا إيّاها "دليلًا على عنصرية الاحتلال ومساعيه الرامية لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم قسرًا".
وشدّد على أنّ "حكومة الاحتلال المتطرفة لا تريد لنا البقاء في النقب وغيرها من المدن المحتلة"، لافتًا إلى أنّ كل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة انتهجت ذات السياسة.
وأضاف العقبي "المؤسسة الإسرائيلية تريد أن نترك أراضينا وننتقل لمدن وأراضٍ أخرى ضمن نطاق ما تُسمى المُعترف بها، وهذا لن يكون".
وأفاد بأنّ الاحتلال هدم حوالي 15 ألف بيت في العامين الأخيرين، ولا تزال السياسة مستمرة، في حين تلقى آلاف آخرون إخطارات بهدم بيوتهم في المراحل القادمة.
وبحسب قوله فإنّ مصادرة الأراضي وهدم البيوت تتركز في منطقتي النقب والجليل بالداخل المحتل، إذ أنّ سلطات الاحتلال خصصت وزارة تُعرف باسم "وزارة النقب والجليل" بهدف تهجير السكان الفلسطينيين والاستيلاء على الأراضي وإحلال المستوطنين بدلًا منهم.
قوانين جائرة
وأكد عضو لجنة المتابعة العليا في الداخل المحتل محمود مواسي أنّ حكومات الاحتلال المتعاقبة دأبت بكل ما أوتيت من قوّة لمصادرة الأراضي العربية، وعدم توسيع البناء للفلسطينيين في الداخل المحتل.
وأوضح مواسي لـ "فلسطين" أنّ سلطات الاحتلال وضعت عدة خطط ممنهجة لمصادرة الأراضي ومنها "خطة عيني" لمصادرة آلاف الدونمات في الجليل وعربة ودير حنا، في حين اتجهت أنظارها لاحقًا إلى النقب لتفريغها من أهلها الأصليين.
اقرأ أيضًا: مخطط استيطاني لمصادرة مساحات واسعة من أراضي سلفيت
وبيّن أن الشرارة الأولى كانت في نهاية شهر مارس عام 1976، الذي ارتقى فيه ستة شهداء في أثناء تصديهم لمصادرة الأراضي في الجليل، ولا تزال ماكينة المصادرة الإسرائيلية مستمرة حتى اليوم.
وقال: "الاحتلال يظن أنّ استمرار تضييقه علينا سيكون سببًا لخروجنا من الأرض، ولكن ذلك لن ينال من عزيمتنا وما زلنا نناضل ونبذل كل جهودنا للحفاظ على أرضنا".
وسنّت سلطات الاحتلال عدة قوانين عنصرية متعلقة بملكية الأرض، لتتخذها ذريعة لتشريع الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، ومحاصرة القرى والمدن في الداخل المحتل، بغية السيطرة على أماكن الوجود العربي، حتى أضحت استراتيجيةً مهمةً بالنسبة لها، للتغيير الجغرافي القسري.
ومن أخطر القوانين التي أقرها الكنيست قانون "أملاك الغائبين"، الذي يعود تاريخه إلى آذار/ مارس عام 1950، حين أُقرّ ليكون الأداة الأساسية لدى (إسرائيل) للسيطرة على أملاك اللاجئين الفلسطينيين، والوقف الإسلامي.
وشدّد مواسي على أن "هذا القانون خطر كبير، لكونها استولت على كثير من الأراضي بحجة أنها أملاك لغائبين وتعود ملكيتها للدولة".
وأوضح أنّ سلطات الاحتلال وبموجب هذا القانون وضعت يدها على عقارات في عدة مدن مثل حيفا ويافا وعكا، عدا عن مصادرة الكثير من الأراضي الفلسطينية في مختلف المدن الأخرى بالداخل المحتل.
وقال: "الغائب فعليًّا هو العدالة الإسرائيلية كونها دولة غارقة بالعنصرية"، منبّهًا إلى أنّ دولة الاحتلال استولت عبر هذه القوانين على آلاف الدونمات من الأراضي.
من ناحيته قال أستاذ العلاقات الدولية في بئر السبع د. منصور النصاصرة: إنّ الاحتلال صادر غالبية الأراضي في الداخل المحتل ضمن قوانين ممنهجة وأبرزها "أملاك الغائبين".
وبيّن النصاصرة لـ "فلسطين" أنّ يوم الأرض يحمل بُعدًا مهمًا يركز على هوية المجتمع الفلسطيني التي تؤكد حقه في أرضه ورفضه الهجرة منها، لافتًا إلى أن الاحتلال صادر الأراضي لشقّ الطرق وبناء المستوطنات وزيادة أعداد المستوطنين.
وعدّ سياسة الاحتلال في هدم البيوت "أداة لمحو الإرث وتاريخ الفلسطينيين" من جهة، والسيطرة على الأرض من جهة أخرى.
وأوضح أنّ غالبية المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل فقد أراضيه، وفي حين هُجّر آخرون من مدينة لمدينة أخرى في الداخل.
تجدر الإشارة إلى أنّ قانون "أملاك الغائبين" يُعرّف كلّ من هُجّر أو نزح أو ترك حدود فلسطين المحتلّة حتى تشرين ثاني من عام 1947، لأيّ سبب كان وبالذات بسبب حرب الاحتلال، على أنّه غائب، وتعتبر كل أملاكه (بما يشمل الأراضي، البيوت وحسابات البنوك، وغيرها) بمثابة "أملاك غائبين"، توضع تحت تصرف "القيّم على أموال الغائبين"، الذي تمنحه حكومة الاحتلال صلاحيات كاملة للتصرف فيها.