فلسطين أون لاين

تقرير المغالاة في سفرة رمضان.. إرهاق للجيوب وإهدار لقيمة الشهر

...
سفرة رمضان
غزة/ هدى الدلو:

في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان أجودَ الناس، وكان أجودُ ما يكونُ في رمضان"، ويترجم البعض هذا الجود بالمغالاة في الطعام والشراب وكرم الضيافة، إلى حد الإسراف والتبذير، فيُعدون أصنافًا مختلفة على مائدة لا يتناولون إلا القليل منها.

الثلاثينية أسماء علي، تقول إن من أكثر السيناريوهات المتكررة في رمضان هي مشاهد الإسراف في إعداد سفرة رمضان، متعللين بأن حاجات الأفراد تختلف وهم صيام.

وتعرب عن أسفها بأن مشاهد موائد الإفطار داخل المنازل العربية باتت وسيلة للتباهي على شبكات التواصل الاجتماعي تباهيًا يخالف مقاصد الشهر.

تقول: "في الأصل يأتي رمضان ليهذب نفوسنا، ويحسن من بعض عاداتنا الاستهلاكية السيئة، ولكن ما نلاحظه أن أغلب العائلات تستعد لرمضان وتستقبله بالتموين الكبير وشراء شراء ما يلزم وما لا يلزم وكأن الأسواق تغلق أبوابها طيلة الشهر".

وترى أسماء ضيرًا في التوسعة على العيال في رمضان عملًا بهدي النبي والصحابة، "ولكن علينا أن نعرف كيف يمكن أن تصريف الأطعمة الزائدة للفقراء والأسر المتعففة، أو إعداد أطباق دون إسراف".

تحفيز الأطفال

أما "أم أحمد" فتقوم قبل قدوم رمضان بأسبوعين بالتجهيز والتحضير لاستقبال الشهر، وتعد جدولًا مع أبنائها الستة بالأكلات التي ستعدها في الشهر، التي تعتمد غالبيتها على الصواني والطواجن من اللحوم والدجاج وغيرها.

ولا تقدم "أم أحمد" صنفًا واحدًا من الطعام في الإفطار الرمضاني، "غالبًا تحتوي على صنفين على الأقل إلى جانب طبق الشوربة وسلطة الخضار والمقبلات"، وتبرر ذلك "لا يهون على قلبي كسر خاطر أبنائي الصغار الصائمين، ولتحفيزهم على الصيام".

"عين فارغة"

أما أميرة محمد فتصف مبالغة بعض السيدات بأصناف الطعام على مائدة الإفطار أو مضاعفة الكمية "عين فارغة"، إذ تعتقد ربة البيت أن ما تعده لا يشبع أفراد الأسرة فتزيد من الكمية أو تعد صنفًا إضافيًا، لتتفاجأ بعد إفطارهم بأن ما تحتويه المائدة من كمية طعام يفوق عدد من يلتف حولها، ليكون مصيره لبضعة أيام في الثلاجة ينتهي حاله بالقمامة.

وتشير إلى أن هذه الصورة تتكرر يوميًا، داعية نفسها والسيدات إلى التفكير مجددًا في ثقافتهم الخاطئة، واتباع طرق صحية في حفظ الطعام أو توزيعه على من يستحقه.

التخطيط والتخزين

وتؤكد الاختصاصية الاجتماعية نداء العمور، بضرورة أن يدرك المسلم فيه حقيقة سلوكياته، واستخلاص العبر والعظات والفوائد التي يمكن أن يحققها لنفسه ولأسرته، ويمارسها بأفعاله ويعبر عنها بلسانه ومشاعره، فهو شهر لإحياء العادات الصحيحة، وتجنب السلبي منها.

وتقول: "من المعروف أن شهر رمضان شهر تكثر فيه الخيرات والبركات، ونلاحظ غالبية النساء تقوم بتحضير عدة أصناف وبكميات لأن كل فرد من عائلتها يشتهي صنفًا معينًا، وبعد الإفطار تلاحظ بقاء هذه الأصناف على حالها".

وتحث العمور الصائمين على التخلق بأخلاق عباد الرحمن، كما جاء في قوله تعالى: "وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا"، "فهي صفة مرتبطة بضبط النفقات، فالإسراف هو الإنفاق الزائد عن الحد، فيجب التفكير بكيف تصرف وبماذا تصرف وكيف تصرف؟"

وتشير إلى حديث الفقهاء عن ثلاثة مستويات ضروريات للإنفاق: الغذاء والكساء والدواء ثم تحسينات (تغيير جوالك تغيير ملابسك من باب التغيير والتنويع)، مبينة أن بعض الظروف الاجتماعية تجعل الإنسان يصرف ويبذر في الضروريات فيصرف ويسيء التصرف المالي، وهذه ليست أخلاق عباد الرحمن.

وتشدد على أن إدخال البهجة يمكن أن يتحقق بتعليم الأطفال جبر الخواطر بالسعي على الفقراء والمساكين والأقرباء المتعففين وتفقد احتياجاتهم، فهذه الأفعال تجعلهم يعيشون خلق الجود الذي اتصف به نبينا في رمضان من صدق وإخلاص وحسن العمل.

وتؤكد أن الإسراف في موائد الإفطار فعل لا يليق بمسلم، ويرهق الجيوب، ويجلب الحسد المعيشي خاصة إذا ما ارتبط بالنشر على شبكات التواصل، لافتة إلى استعراض الطهي وجمال الأطعمة وألوانها يخدش مشاعر المتعففين.

وتحث العمور السيدات على التخطيط جيدًا للحد من الإسراف، كإعداد الطعام بكميات مناسبة ووفق حاجة الأفراد الموجودين على المائدة، والتخطيط للوجبات التي ستعد في الأسبوع، مع تأكيد عدم الإسراف في التحضير حتى يستمتع الأفراد بكل صنف.

وتنبه إلى ضرورة الحرص على معرفة تاريخ انتهاء كل صنف، والمدة الزمنية المناسبة لتخزينه في الثلاجة، والاستفادة من بقايا الطعام إما بتخزينه لليوم التالي بطريقة مناسبة، أو تغليفه بطريقة جميلة وإرساله لأحد المحتاجين بدلاً من إلقائه في القمامة بعد التأكد من سلامته، وبهذه الطريقة يمكن أن نعوّد الأطفال على فعل الخير واستثمار شهر رمضان.