حكومة نتنياهو محاصرة. الحكومة محاصرة من جهتين: جهة داخلية، وأخرى خارجية. وبحكم هذين الحصارين يبدو رئيس الحكومة نتنياهو الأكثر ضعفًا، ولا يملك قيادة الحكومة بأريحية امتلاك الليكود لأكبر كتلة صوتية في الكنيست.
الحصار الخارجي الذي تقوده المعارضة بلغ الذروة أول من أمس الأحد ليلًا، وظل متواصلًا لساعات الفجر بُعيد إقالة نتنياهو غالانت وزيرَ الجيش. الإقالة جاءت ردًّا عاجلًا من نتنياهو على غالانت الذي تجرأ بصفته وزيرًا وعضو كنيست من الليكود على مطالبة الحكومة بوقف التشريعات القضائية، وهدد بعدم التصويت لها. نتنياهو أقال غالانت ليثبت أنه قادر على قيادة الحكومة، وأن لديه أوراقًا نافعة، ولكنه أثبت عكس ذلك!
الساعات التي تلت الإقالة قالت لنتنياهو أنت ضعيف، أنت تملك إقالة وزير الجيش، ولكن لا تملك حكومة مستقرة، لأن جل مكونات الشعب يحاصرونها. نتنياهو أدرك من خلال قراءته لمشهد الاحتجاجات أمس أنه لا يمكنه التحدي والاستمرار في قيادة الحكومة، وأن عليه التراجع خطوة أو خطوتين بوقف التشريعات القضائية وقفًا مؤقتًا، أو وقفًا دائمًا.
قوى المعارضة باتت أقوى كثيرا بموقف غالانت، وبانضمام قطاعات مختلفة لها، بعضها قطاعات مدنية، وبعضها قطاعات عسكرية. قوى المعارضة تمد يدها لقطف ثمرة المظاهرات، وجني حصاد أسابيع من الاحتجاجات.
نتنياهو بات مقتنعًا ولا سيما بعد الموقف الأميركي الصريح ضد التشريعات القضائية بضرورة أخذ قرار عاجل بوقف التشريعات القضائية مؤقتا لحين امتصاص غضب المعارضة والجماهير، أو لحين إجراء مفاوضات مع المعارضة.
نتنياهو هذا عالق بين قناعته الشخصية بصفته رئيس حكومة بالتعليق المؤقت، وبين تهديدات "بن غفير" بالاستقالة، ومن ثمة سقوط الحكومة. "بن غفير" وسموتريتش يحاصران الحكومة من الداخل، ولوجود هذا الحصار الذي هو أشبه بالابتزاز تأجل موعد مخاطبة نتنياهو الجمهور مرات، وهو ما زال يفاوض للحصول على إذن "بن غفير"، بعد أن أخذ إذن سموتريتش والحرديم.
المشهد الذي أمامنا في "تل أبيب" يقول إن حكومة قائمة على الابتزاز لن يطول بقاؤها في الحكم، ويقول إن إضعاف سلطة القضاء بمفهوم لابيد وغانتس لن يتمّ في هذه المرحلة، ويقول إن تل أبيب ليست بمعزل عن تدخلات البيت الأبيض والدول الأوروبية، حتى أنه سمعت أصوات عبرية تتهم أميركا بتمويل الاحتجاجات ودعمها.
والمشهد يقول إن مجتمعا يقوم على القوة يتآكل من داخله قد يلجأ قادته لحرب خارجية توقف التآكل الداخلي، وتَجمع الفرقاء المتشاكسين خلف الجيش.
المشهد القادم من "تل أبيب" يعطي قراءة أمل للفلسطينيين لمن يئسوا من مقاومة الاحتلال، ومن حدوث تغيّرات مضعفة للقوة التي وصلت إليها دولة الاحتلال. المشهد يقول إن دولا كبيرة زالت بعد قوة وتماسك بسبب الصراعات الداخلية، ودولة الاحتلال الإسرائيلي على الطريق، وهي ليست بمنأى عن هذا الانهيار والزوال. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.