فلسطين أون لاين

بمنعهم من الوصول إلى الأقصى

تقرير "تضييق" خلف ستار "التسهيلات".. الاحتلال يحرق قلوب أهالي شهداء وأسرى

...
حاجر لقوات الاحتلال لمنع الوصول إلى المسجد الأقصى - أرشيف
رام الله - غزة/ يحيى اليعقوبي:

جهّزت حقيبة الاعتكاف واتّجهت زوجة الشهيد عبد الرحمن العاروري نحو حاجز "قلنديا" عازمةً الاعتكاف للسنة الحادية عشرة على التوالي في المسجد الأقصى المبارك كما اعتادت كل عام، تحمل في قلبها شوقًا للمسجد الذي تقول إنه بحاجة إلى رعاية من كافة أبناء الشعب الفلسطيني.

غادرت قرية عارورة التي تبعد عن مدينة رام الله مسافة 25 كيلومترًا، مودعة بناتها الثلاث وشقيقهنّ ووصلت الحاجز الساعة الثامنة صباحًا حتى تدرك صلاة الجمعة بالأقصى، لتتفاجأ بطابورٍ طويل من المواطنين، وجنود إسرائيليين يفرزون الأهالي على بوابتين إحداهما لحملة الهويات والبوابة الثانية لعبور حاملي التصاريح "الممغنط".

أعطت الهوية للمجندة التي أدخلت الرقم على شاشة الحاسوب، ثم أعادتها تحمل لها خبرًا لم تتجهز له: "أنتِ ممنوعة أمنيًّا"، حاولت مناقشة ضابط الاحتلال بالمنطقة إلا أنّ الرفض ظلَّ حاضرًا في كل محاولاتها حتى أصابها اليأس عند الساعة الحادية عشرة صباحًا، فعادت لمنزلها بوجه حزين وعينين تملؤهما الدموع.

"تسهيلات كاذبة"

بغصة تقول العاروري لصحيفة "فلسطين": "منذ 11 عامًا أذهب للصلاة بالمسجد الأقصى، وأخرج في الأيام الأولى من رمضان بنية الاعتكاف وأمكث عدة أيام، جهّزتُ أغراضي وحضّرتُ نفسي ووعدت أولادي، لكن تفاجأت بمنعي، فأين التسهيلات التي يعلنونها؟".

تستحضر مشهد الازدحام: "وقفنا تحت الشمس لعدة ساعات، طابور طويل يمر على مجندة واحدة، ثم رفضوا إدخالي ومعي العديد من نساء الشهداء وأهالي الأسرى"، متسائلةً، عن "الذنب الذي ارتكبنه ليحرمن الصلاة بالأقصى؟".

بصوت باكٍ، وقلب يفيض بمشاعر ارتباطها بالأقصى، تعبر بعفوية رافقتها الدموع: "روحي الأقصى، يشهد الله أنه عندي زي الطفل الرضيع اللي بحاجة إلنا".

ورغم أنّ العاروري أدركت صلاة الجمعة بمنطقة البيرة، وعادت لقريتها، إلا أنّ صورة وجودها في الاعتكاف بالأقصى العام الماضي ظلّت حاضرة، وصلاتها بمصلى باب الرحمة، وتجوُّلها بالأقصى وكل ما اختزنته ذاكرتها، داعيةً بقهر: "الله يحرق قلوبهم كما حرمونا".

اقرأ أيضًا: بالفيديو شرطة الاحتلال تقتحم المصلّى القبلي بالأقصى وتُفرّغه من المعتكفين

بنفس اليوم والطريقة حاولت زوجة الشهيد عماد عوض الله من مدينة البيرة الصلاة بالمسجد الأقصى، بعدما قرأت عن إعلان الاحتلال السماح لجميع النساء بالدخول للأقصى تحت مزاعم "تسهيلات"، لتدرك أنّ الاحتلال لم يُخبّئ سوى "تضييقات"، عندما وصلت حاجز قلنديا.

إجراءات تفتيش

تقول عوض الله لصحيفة "فلسطين": "وقفتُ طويلًا على طابور انتظار، وبعد عناء ومشقة تحت حرارة شمس الظهيرة، طلبت المجندة هويتي، وبعد الفحص أخبرتني: "أنني ممنوعة أمنيًّا"، ولا يوجد سبب غير أني زوجة شهيد مع أنه مضى على استشهاد زوجي أكثر من 24 عامًا".

أما صمود حبايبه، من مدينة جنين، فقد نشرت فيديو على صفحتها على "فيس بوك" أمس، تُشارك أصدقاءها مشهد الاكتظاظ وازدحام الناس على طابور طويل أمام حاجز "قلنديا"، متهكّمةً على قرار الاحتلال بـ"التسهيل" على الفلسطينيين.

وتقول حبايبه لصحيفة "فلسطين"، إنها تلمس كل عام تغييرات في حاجز قلنديا، لكن ليس لصالح تطويره أو من أجل راحة الفلسطينيين كما يُروّج الاحتلال، معتبرةً إياها أساليب ومراوغات من الاحتلال.

ورغم أنها زارت الأقصى ومرّت عبر الحاجز في 10 فبراير/ شباط الماضي، إلا أنّ حجم التغيير على الحاجز أول من أمس كان صادمًا لها، بوجود بوابات مُخصّصة للنساء اللواتي يمتلكن هوية، وجهة للتصاريح "الممغنط".

تصفها بأنها بوابات ضيقة، رغم وجود نساء كبار في السنّ وأطفال "وهذه مأساة"، يتم اغلاق البوابة الأصلية عند تكدُّس عدد كبير من الأهالي من أجل تفريغ من دخل، وفي بعض الأحيان يتم إغلاق البوابات الداخلية كذلك، مع وجود أبراج مراقبة مُحصّنة يمكث فيها جنود الاحتلال.

ولا توحي هذه الإجراءات بأيّ "تسهيل" لعبور الفلسطيني ليصلّي بالمسجد الأقصى خلال الشهر الفضيل، بل من أجل ما وصفته "فلترة" للداخلين خاصة عائلات الشهداء والأسرى والجرحى.

المرور من البوابة الرئيسة، كما تُفيد حبايبه، لا يعني السماح بدخول الأقصى بل هناك ثلاث نقاط تفتيش أخرى بشكل دقيق، مما يُدلّل أنّ "التسهيلات" المزعومة شكلية من أجل تقليص عدد الداخلين ومن أجل معرفة أصحاب المنع ولكي يُجمّل الاحتلال صورته أمام العالم.

بنبرة قهر، تردف: "لك أن تتخيل تسهيلات (مزعومة) مع المكوث أربع ساعات من أجل أن تصلي الجمعة حاضرًا، وأغلب الزائرين يدركهم الوقت ولا يصلون، إضافة لتعب الرحلة الجسدي، ونحن في عمر الثلاثين فكيف حال كبار السن؟!".