بين أزقة شوارع مخيم الشاطئ للاجئين ومجمعات النفايات فيه، يبحث الطفل كرم الأدغم (13 عامًا) عن عبوات المشروبات الغازية المعدنية الفارغة، من أجل بيعها.
ويمضي الأدغم ساعات طويلة في البحث عن هذه العبوات إذ أجبرته ظروف عائلته على ترك الدراسة، والتوجه إلى العمل في أي شيء، من أجل تحصيل بضعة شواقل، بالكاد تكفي فردًا واحدًا من عائلته.
ولا يشعر الطفل بالملل من أجل تجميع ما يزيد على كيلوجرام واحد من هذه العبوات لقاء بيعه بثلاثة شواقل، وقد تمتد هذه المهمة أيامًا.
ففي بيت يفتقر لأدنى مقومات الحياة في مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة، تعيش عائلة الأدغم، المكونة من 7 أفراد، ظروفًا مأساوية بسبب حالة الفقر التي تعانيها، والممتدة منذ ما يزيد على عقدٍ من الزمان.
وما أن تعبر الشقة السكنية التي تستأجرها العائلة الفقيرة بين الشوارع والأزقة الضيقة لمخيم الشاطئ، حتى تكتشف مدى حالة العوز التي تمر بها.
يبدو المشهد في الشقة للوهلة الأولى "لا يطاق"، لكنه بالنسبة لهذه العائلة التي لا تملك شيئًا وليس لديها مصادر دخل ثابتة، مناسبًا ولا ترجو إلا استمرار هذه النعمة عليها، كما تقول نسرين والدة الأطفال الخمسة، أكبرهم كرم، وأصغرهم ريما، البالغة عاميْن.
وعندما تتفحص جوانب الشقة وجدرانها، يبدوا للناظر حجم الرطوبة التي هيمنت على المكان وجعلته يبدو متهالكًا منذ عشرات السنين، لكن الأشد صعوبة هي الدموع التي تترقرق في عيني والدة الأطفال المحرومة من أشياء كثيرة تتمنى لو أنها تتحقق لأبنائها.
تقول الأم البالغة (34 عامًا): إن أطفالها لا يملكون أي شيء من مقومات الحياة الخاصة بأعمارهم، فليس لديهم تلفاز، أو أي نوع من الألعاب التي يحظى بها الكثيرون في عمرهم.
وتضيف أن والدهم أيمن الأدغم (51 عامًا) غير قادر على توفير ما يلزم، ولجأ إلى العمل في مجال الصيد عند صياد يملك قاربًا، يعطيه 20 شيقلاً عن كل يوم عمل، وأحيانًا لا يُحصَّل شيئًا.
قبل سنوات طويلة كان زوجها يعمل مقاول بناء، لكنه تعرض لخسائر مالية كبيرة جعلته مديونًا، ملاحقًا للجهات الشرطية، ومعتقلاً في بعض الأحيان على ذمم مالية بمبالغ تفوق 9 آلاف شيقل، وأفرج عنه مؤخرًا من اعتقال استمر 91 يومًا، ومن المقرر عودته في الأشهر المقبلة للاعتقال مجددًا.
وفي أحيان كثيرة لا يتوفر لدى هذه العائلة الفقيرة طعام للأطفال، وعادة ما تلجأ أمهم إلى الاستنجاد بوالدتها التي تلبي نداء ابنتها وأحفادها سريعًا، وتأتي لها في كل مرة محملة بالطعام قادمة من منطقة التوام، شمالي قطاع غزة.
وتتمنى الأدغم لو تتمكن يومًا من طلاء البيت وتجهيز غرف أطفالها بالأثاث، وخزانة خاصة بملابسهم بدلاً من التي تملكها العائلة، والتي تغطي واجهتها الرئيسة قطعة قماشية، ويتداخل فيها ملابس الأطفال الخمسة ببضعها البعض دون أن يفصل بينها شيء، إضافة إلى تلفاز يفرح قلب أطفالها.
وتضيف الأم أن متطلبات العيش عديدة، "ولا نقدر على توفيرها بالمطلق، ونعتمد في شهر رمضان على المساعدات بشكل أساسي".
وزادت الأدغم في قولها بألم يعتصر قلبها: إنها تبدو أكبر بعشرات السنوات من عمرها بسبب الظروف المعيشية التي تمر بها، وحجم المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقها وزوجها وأبنائها بسبب عدم توفر مصدر دخل ثابت.
وتمر الكثير من العائلات في قطاع غزة بظروف معيشية صعبة وقاسية بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، وما رافق ذلك من قلة توفر فرص العمل وانتشار البطالة.