فلسطين أون لاين

ربُ رميةٍ من غيرِ رامٍ

...
ربُ رميةٍ من غيرِ رامٍ
غزة/ مريم الشوبكي:

كثيرًا ما نستخدم مثل "رب رمية من غير رامٍ" في جلساتنا، وحواراتنا اليومية، ونطلقها على شخص فعل عملًا ناجحًا، أو إنجازًا لافتًا، دون قصد، أو دون إلمام، ودراية، ومعرفة كافية عن المهمة التي أنجزها.

لمثل "رب رمية من غير رامٍ" قصة لدى السلف السابق، يرويها رئيس مركز السنابل للدراسات والتراث الشعبي إدريس جرادات من الخليل.

حدثنا الراوي يا سادة يا كرام أن رجلًا اسمه الحكم بن يغوث المنقري كان من أرمى أهل زمانه، كان سهمه يصيب الصميم فيردي الطرائد من مكانه، وفي ذات يوم خرج يحلم بصيد رائع ولكن أصابه النحس وسوء الطالع، فحاول في ذلك اليوم مع غيرها مثنى وثلاث فلم يفز بأي منها، فرجع كئيبًا حزينًا.

قال حكم: "خاب سهمي وفرت المها للمرة الألف، سيبدعون في دمي، ولن ينهلني عطف"، وعاد إلى قومه يجر الخيبة وحظه اللعين، وبعد أيام أعلن قراره المبين، إني ذاهب للصيد مجددًا يا قوم، فإن لم أعد به اليوم، إني لقاتل نفسي، فلا تلقوا عليّ اللوم". 

ليرد أحد القوم: "لاااا يبدو أنك فقدت عقلك بالتأكيد، يا رجل أتقتل نفسك من أجل الصيد"، وقال آخر: "اذبح بدل الطرائد إبلًا يا عنيد، وارحم نفسك من هذا الوعيد".

رد حكم: "لا والله لا أظلم عاترة (عاثرة) وأترك النافرة"، وكان ابنه الغلام بين الجموع فصاح مخاطبًا أباه بصوت مسموع "يا أبتِ اصطحبني معك ولا تقل ولد فأنا ابن أعظم رامٍ في البلد"، ليرد الأب: "وماذا أفعل بمبتدئ رعش؟، هل تدرك ما أنت عليه مُهل؟".

ليرد الابن: "إن لم ترى أوداجها تخالط أمشاجها فاجعلي وداجها (الذبيحة)"، ليرد أحد القوم "لله دره ما أشجعه هذا الغلام، شبل مقدام من ذلك الضرغام.

فانطلق الأب مع ابنه أمام الملأ وإذ بمها ترعى الكلأ فرماها حكم لكنه أخطأ، ثم أعاد الكرة ولم يفلح بالمرة، طلب الابن من أبيه أن يعطيه القوس ليحاول إصابة تلك المها. وبعد إلحاح أعطى الأب السهام ليريه ما هو فاعل لأنه يعلم أنه بعدها مفارق الحياة.

وما هي إلا لحظات وبسرعة شديدة أمسك الفتى النشاب، وسدد نحو الطريدة فأرداها وقلبها أصاب.

حينها ضحك الأب قائلًا لابنه: "يا لحسن حظك والمرامي ربُ رمية من غير رامٍ"، وأصبحت تلك المقولة مثل يضرب وطرفة بكل إنسان يصيب هدف بالصدفة.