تصاعدت في الآونة الأخيرة إرهاصات حدوث مواجهة مفتوحة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال في الأسابيع المقبلة، في ظل تزايد الدعوات التي تطلقها جماعات جبل الهيكل اليهودية لتكثيف الاقتحامات للمسجد الأقصى مع دخول الأعياد اليهودية في السادس من أبريل/ نيسان المقبل، التي توافق منتصف شهر رمضان المبارك، وتوافد الفلسطينيين من مختلف الأراضي الفلسطينية المحتلة للاعتكاف في المسجد الأقصى، ما يشير إلى مخاوف واسعة بحدوث مواجهة في باحات المسجد شبيهة بتلك التي دفعت المقاومة لدخول مواجهة عسكرية مع الاحتلال في شهر مايو من عام 2021م.
جرائم الاحتلال المتصاعدة ضد المدنيين الفلسطينيين في الضفة والقدس، التي أسفرت عن استشهاد ثمانية وثمانين مواطنًا فلسطينيًّا منهم امرأة فلسطينية وسبعة عشر طفلًا بحسب وزارة الصحة الفلسطينية، وتخللها ارتكاب الاحتلال مجازر دموية في جنين ونابلس وأريحا، وعودة سياسة الاغتيالات، ومحاولات المستوطنين تنفيذ جريمة إبادة جماعية في بلدة حوارة بإحراق عشرات المنازل والمركبات الفلسطينية بإسناد مباشر وحماية جنود الاحتلال، إضافة إلى الهجمة المسعورة ضد الأسرى الفلسطينيين، وتضييق الخناق عليهم، وإطلاق حملات عنصرية ممنهجة ضد الفلسطينيين، واتخاذ خطوات عملية تهدف إلى شرعنة جرائم الاحتلال مثل مناقشة قانون إعدام الأسرى، وقانون سحب الجنسية من أسرى الداخل المحتل، وإبعاد عائلاتهم إلى مناطق السلطة الفلسطينية، وغيرها من القوانين التي تستهدف عموم الشعب الفلسطيني والأسرى الأبطال على وجه الخصوص، إنما تمثل عوامل مباشرة قد تُشعل فتيل مواجهة عسكرية واسعة بين المقاومة والاحتلال.
تحذيرات قادة المقاومة الفلسطينية التي تصاعدت مؤخرًا ضد الاحتلال تشير إلى تقديرات المقاومة بأن جولة أخرى من المواجهة العسكرية المفتوحة قادمة لا محالة مع الاحتلال، فتصريحات نائب القائد العام لكتائب القسام مروان عيسى بأن "إتاحة الفرصة للمقاومة في الضفة الغربية لا يعني تركها، ولا يعني بقاء غزة صامتة، وسيكون التدخل مباشرًا حينما يستدعى الأمر"، تؤكد جهوزية المقاومة وترقبها لساعة الصفر التي حددها نائب القائد العام لكتائب القسام بمحاولة الاحتلال تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى، مهددًا بأن هذه المحاولة الصهيونية "ستحول المنطقة إلى زلزال" وفق قوله، وهي تهديدات تؤخذ على محمل الجد إذا ما علمنا أن الرجل نادر الظهور الإعلامي وقليل الكلام.
تصريحات القائد القسامي سبقتها تصريحات أطلقها نائب رئيس مكتبها السياسي صالح العاروري حذر فيها من أن "صبر المقاومة على الاعتداءات الإسرائيلية بدأ ينفد"، وهي تصريحات تؤكد تهديدات سابقة للناطق العسكري باسم كتائب القسام أبو عبيدة بأن "المقاومة في غزة تراقب جرائم الاحتلال المتصاعدة تجاه أهلنا في الضفة، وأن صبرها آخذ بالنفاد"، بما يشير إلى أن المواجهة العسكرية قد تكون قاب قوسين أو أدنى مع الاحتلال، وهي مواجهة ربما تكسر جميع الخطوط الحمراء مع الاحتلال، وهذا ما تؤكده تصريحات سابقة لزعيم حركة حماس في غزة يحيى السنوار في كلمته بمهرجان انطلاقة الحركة الـ35 في ديسمبر الماضي، حين ذكر أن "عام 2023م سيشهد استحقاقات كبرى".
سخونة الأوضاع الميدانية تُشعلها أيضًا حالة الغليان التي تشهدها سجون الاحتلال، في ظل إصرار الأسرى على مواجهة غطرسة اليمين المتطرف الذي يتصدر مشهده وزير الأمن القومي الإسرائيلي الصهيوني المتطرف بن غفير بمعركة الأمعاء الخاوية، التي تستعد الحركة الأسيرة لإطلاقها مع بدايات شهر رمضان المبارك، التي سبقتها إعلان وصايا جماعية للأسرى تؤكد صمودهم وثباتهم في هذه المواجهة، وهي معركة ستَشهد التفافًا جماهيريًا واسعًا، فقَضية الأسرى هي أحد الثوابت الوطنية التي يلتف حولها دومًا الشارع الفلسطيني.
وعلى صعيد المقاومة نجد أنها تصاعدت تصاعدًا كبيرًا بالرغم من محاولات استئصالها المستميتة في الضفة والقدس، وبالرغم من مشاركة السلطة الفلسطينية في مؤامرة إقليمية برعاية أمريكية اسرائيلية للقضاء على المقاومة الفلسطينية، وعقد اجتماعات أمنية في العقبة وشرم الشيخ إلا عمليات المقاومة تصاعدت كثيرًا، وبحسب مركز المعلومات الفلسطيني "معطي" نفذت المقاومة الفلسطينية (1177) عملًا مقاومًا في فبراير الماضي في الضفة والقدس، منها (144) عملية إطلاق رصاص باتجاه جنود الاحتلال ومستوطنيه، وقد أسفرت هذه العمليات الفدائية عن قتل سبعة عشر مستوطنًا صهيونيًا منذ مطلع العام الجاري، ما يؤكد فشل جميع الإغراءات، ومحاولات استئصال المقاومة أو إخماد جذوتها المشتعلة في الضفة والقدس.
كما تعززت الحاضنة الشعبية للمقاومة الفلسطينية، حيث كشف استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام الله بأن 68% من الجمهور الفلسطيني يدعم تشكيل مجموعات مسلحة للمقاومة الفلسطينية على ظاهرة مجموعات "عرين الأسود" التي فشل الاحتلال وأجهزة السلطة الفلسطينية في إنهائها في نابلس، فيما أكد 57% من الجمهور الفلسطيني بحسب الاستطلاع أن بقاء السلطة الفلسطينية في وضعها الراهن هو مصلحة إسرائيلية، في حين طالب 71% من الفلسطينيين المستطلعة آراؤهم بتنفيذ عمليات فدائية مسلحة ضد المستوطنين الصهاينة كما حدث في بلدة حوار في محافظة نابلس، في دلالة واضحة على التأييد الجارف للمقاومة الفلسطينية، والرفض الواسع لسياسات السلطة الفلسطينية الداعمة للاحتلال.
ومع دخول شهر رمضان المبارك وبروز العديد من التساؤلات حول أفق حدوث مواجهة عسكرية مفتوحة مع الاحتلال مع دخول شهر رمضان المبارك نضع السيناريوهات التالية:
السيناريو الأول: هو قدرة السلطة الفلسطينية على إنهاء ظاهرة المقاومة المسلحة في الضفة المحتلة، وإخماد جذوة الانتفاضة التي باتت مشتعلة في الضفة، ما يعني عمليًا خفوت إرهاصات المواجهة العسكرية بين المقاومة الفلسطينية في غزة والاحتلال، وهو سيناريو تعززه نتائج لقاءات العقبة وشرم الشيخ، والدعم السياسي الذي يقدمه الإقليم والولايات المتحدة للسلطة الفلسطينية، إضافة إلى الدعم المالي والأمني الذي يقدمه الاحتلال للسلطة الفلسطينية، وتعزيز التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال، وهو سيناريو مستبعد في ظل انفضاض الشارع الفلسطيني عن السلطة الفلسطينية، وتهديدات الاحتلال باستمرار سياسة الاغتيالات الميدانية، والاقتحامات للمدن والبلدات الفلسطينية، ورفض مجموعات المقاومة في نابلس وجنين الإغراءات التي قدمتها السلطة الفلسطينية بهدف دفع أفرادها إلى تسليم أسلحتهم مقابل عفو عام بالتنسيق مع الاحتلال.
السيناريو الثاني: هو بقاء الأوضاع على ما هي عليه، بمعنى مرور شهر رمضان المبارك في ظل مواصلة جيش الاحتلال توغلاتِه اليومية للمدن والبلدات الفلسطينية، ضمن سياسة جز العشب التي يعتمدها جيش الاحتلال للتعامل مع المقاومة في الضفة المحتلة، وضرب المفاصل الرئيسة في مجموعات المقاومة إما بالاعتقال أو الاغتيال الميداني، وفي المقابل تخفيف الخناق عن الأسرى في السجون، ومحاولة تدجين المقاومة وتهدئة جبهة غزة بضغوطات عربية ودولية تصاحبها بعض التسهيلات الاقتصادية لأهالي غزة، وهو سيناريو بالرغم من ضعفه إلا أن له بعض المؤشرات من أبرزها التدخلات والضغوطات العربية التي اعتاد عليها الفلسطينيون لتهدئة المقاومة مع كل تهديد تطلقه المقاومة للرد على جرائم الاحتلال في الضفة والقدس.
السيناريو الثالث: وهو الأكثر ترجيحًا ألا وهو تصاعد عدوان الاحتلال في الضفة والقدس، واستمرار ارتقاء الشهداء الفلسطينيين في مدن ومخيمات الضفة، وتصاعد الاقتحامات في باحات المسجد الأقصى مع دخول الأعياد اليهودية منتصف شهر رمضان المبارك، وإطلاق استغاثات ومناشدات للمقاومة الفلسطينية بالتدخل للدفاع عن المسجد الأقصى، حينها لن تجد المقاومة بُدًّا من الدخول في مواجهة مفتوحة فُرضت عليها، ولعل المقاومة منذ معركة سيف القدس وهي ترمم قدراتها العسكرية، وتطور من منظومتها الصاروخية استعدادًا لتلك المعركة الكبرى.
ختامًا ومع تلك السيناريوهات المتوقعة فإن الصراع السياسي المتصاعد داخل كيان الاحتلال، كفيل باستحضار عوامل سياسية وميدانية غير متوقعة ستؤثر حتمًا في طبيعة الصراع مع الفلسطينيين، فإسقاط حكومة نتنياهو، أو وقوع حرب أهلية إسرائيلية سيدفع المقاومة الفلسطينية للتأني وكظم الغيظ بانتظار تنامي عوامل انهيار هذا الكيان الصهيوني المحتل لأرضنا الفلسطينية منذ خمسة وسبعين سنة مضت.