إن توقع سقوط حكومة نتنياهو خلال أسابيع -وعلى أبعد تقدير أشهر- أصبح من الحتميات التي يناقشها المحللون السياسيون في جميع أنحاء العالم، إذ تصرّ هذه الحكومة على تمرير مشروع قانون الإصلاح القضائي بأي وسيلة وبأي ثمن، وإضافة إلى أزمتها الداخلية، فإن حكومة نتنياهو تعيش حالة من العزلة الدولية كذلك.
منذ بداية ظهور التحالفات بين نتنياهو والأحزاب اليمينية الإسرائيلية المتطرفة، توقعنا أن تصر هذه الحكومة على تمرير مجموعة من القوانين العنصرية ضد الفلسطينيين، والقوانين التي تضرب بسيادة القانون ومبدأ فصل السلطات عرض الحائط. وعلى الرغم من أنّ إسرائيل منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية لم تكن يوما دولة ذات قانون يعامل الجميع بشكل متساوٍ، إلا أنها على مدار السنوات الماضية روّجت لنفسها أنها الديمقراطية الوحيدة في منطقة الشرق الوسط، وأنها الدولة الوحيدة في هذه المنطقة التي تعتمد سيادة القانون. ما فعلته حكومة نتنياهو كان التخلي عن هذا القناع، وإظهار الوجه الحقيقي لهذا الكيان القائم على الغصب وقوانين الغاب.
أوضاع حكومة نتنياهو دوليًّا
إلى حين كتابة هذه السطور، لم توجه الولايات المتحدة أي دعوة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لزيارة واشنطن. بالإضافة لذلك رفضت واشنطن استقبال وزير الماليّة الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، كما أعلنت نظيرته الأمريكيّة رفضها القاطع عقد لقاء معه، وأعلن البيت الأبيض رفض أيّ مسؤولٍ أمريكيٍّ عقد لقاء مع الوزير سموتريتش.
ومن جهة أخرى، فقد جمّدت دولة الإمارات صفقة أسلحة حساسة لشراء منظومات أسلحة إسرائيلية، حيث بررت الإمارات موقفها هذا بتفاقم الأزمة الداخلية في إسرائيل، وعدم سيطرة نتنياهو على وزرائه. ويبدو أن الإمارات تشير بشكل واضح إلى تصريحات وزير الأمن الإسرائيلي بن غفير وتصريحات وزير المالية سموتريتش.
كما رفضت الإمارات زيارة نتنياهو إليها، ولم تعلن عن موعد محدد لإجرائها، وذلك بسبب الأزمة الداخلية التي تعيشها إسرائيل وحالة الفوضى العارمة هناك.
وأما عن قطار التطبيع مع إسرائيل، فيبدو أن القطار توقف في محطة خالية ولم يعد يمكن استكمال الرحلة، وذلك لأن المصالحة السعودية الإيرانية بددت نظرية "البعبع الإيراني" التي روّجت لها إسرائيل والولايات المتحدة لسنوات لدفع الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل. فقد تكونت لدى السعودية قناعة تامة بأنّ التفاوض مع إيران من موقع قوة، أفضل من الانخراط في تحالف هش مع إسرائيل، الكيان الذي ينظر إلى العرب على أنهم أعداء محتملون ومنافسون تاريخيون لهم.
ويبدو أنّ الخطوة السعودية الإيرانية انعكست على مؤتمرات التطبيع بشكل مباشر، إذ تأجل عقد قمة النقب 2 في المغرب، ومن الممكن أن يتم إلغاؤها بشكل كامل أو نقلها إلى مكان آخر، وذلك بسبب عاملين مهمين: أولهما رفض الشعب المغربي لعملية التطبيع هذه، وإقامة معرض فني لتصوير المأساة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني في غزة خلال 17 عاما من الحصار، وثانيا بسبب فشل قمة العقبة بسبب التعنت الإسرائيلي، وتقويض نتائجها بشكل مباشر من قبل وزراء نتنياهو المتطرفين.
داخليًّا إلى أين وصل قطار الإصلاح القضائي؟
تعيش إسرائيل هذه الأيام حالة من الفوضى التشريعية، إذ تصرّ الحكومة اليمينية المتطرفة على تمرير مشروع القانون بينما ترفضه أحزاب المعارضة، وفئات واسعة من الشعب تتظاهر يوميا ضد حكومة نتنياهو، ووصل عدد المتظاهرين إلى أكثر من 300 ألف متظاهر معارض لقانون الإصلاح القضائي ومعارض لحكومة نتنياهو ككل. هذه الأزمة دفعت الرئيس الإسرائيلي نفسه إلى التدخل وأخذ زمام المبادرة.
حيث طرح "إسحق هرتسوغ" الرئيس الإسرائيلي خطة بديلة للإصلاح القضائي أطلق عليها اسم "خطة الشعب". تضمنت الخطة عدم منح الائتلاف الحكومي أغلبية في لجنة تعيين القضاة، حيث ستضم اللجنة 11 عضوا، 5 فقط للائتلاف، وفقا لما ذكرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية.
كما تضمنت الخطة أن يتم التصويت في الكنيست على سن "قانون أساس" (بمنزلة دستور) في 4 قراءات (بدلا من 3) وبأغلبية 80 صوتا (من أصل 120 نائبا بدلا من 61).
كذلك نصت الخطة على أن المحكمة العليا (أعلى هيئة قضائية) لن تكون قادرة على إجراء مراجعة قضائية لقوانين الأساس، وستكون قادرة فقط على إلغاء القوانين العادية.
ومن أجل تحديد أن القانون العادي غير صالح، سيُطلب من المحكمة العليا القيام بذلك، من خلال هيئة موسعة لا تقل عن 11 قاضيا (من أصل 15 بالمحكمة)، وبأغلبية لا تقل عن ثلثي قضاة الهيئة (أي 7 على الأقل).
رفض نتنياهو ووزير ماليته سموتريتش الخطة جملة وتفصيلا، واعتبرها الأخير انقلاب على النتائج الانتخابية. وبما أنّ هرتسوغ قد تولى الرئاسة بدعم من نتنياهو، فيبدو بأن الأول سيتراجع عن الخطة، وقد يميل إلى تأييد مشروع نتنياهو للمحافظة على التنسيق معه.
ختاما، تعيش حكومة نتنياهو حالة من العزلة الدولية والداخلية تمهد لسقوط حكومته خلال أسابيع، ويبدو كذلك بأن إصرار نتنياهو على تمرير مشروع الإصلاح القضائي، سيكون الشعرة التي تقصم ظهر البعير، وذلك من حيث ارتفاع حدة التظاهرات ضد هذه الحكومة، ومن جهة تحضير المعارضة لجولة انتخابات جديدة لن تغير من الوضع الحالي شيئا.