بأناقة تفترش مشغولات الكروشيه زاوية الفتاة هناء الغصين (15 عامًا) على مدخل معرض "ريحة بلادي" الذي تنظمه قرية الفنون والحرف التابعة لبلدية غزة بمركز رشاد الشوا الثقافي.

أكواب شاي مغلفة بخيوط الصوف "الكروشيه" تزينها كرات صغيرة تتلألأ على طاولتها داخل المعرض، يجذبك تداخل الخيوط المحبوكة بدقةٍ تغلف علب المربى ليظهر شكل "فانوس رمضان" وبداخله شمعة مضيئة تتوهج من خلف خيوط الصوف البيضاء والرمادية، وأخرى بألوان وأشكال مختلفة، وبجانبها تعرض مكرميات ومعلقات حائط وقواعد لتغليف الأكواب من الخيوط نفسها.

أقامت بلدية غزة هذا المعرض ضمن فعاليات إحياء اليوم العالمي للمرأة، والذكرى الـ47 ليوم الأرض الذي يوافق 30 مارس/ آذار، ويوم الأم في 21 من الشهر ذاته.

بدأت هناء مشروعها قبل أربعة أعوام عندما اكتشفت موهبتها، وقد ساعدها والداها في تطويرها، تقول لصحيفة "فلسطين" وملامح البهجة بمشاركتها في المعرض الرابع تعلو وجهها: "أحببت تطوير موهبتي، لحماية وتعزيز التراث الفلسطيني وهويتنا الوطنية بمشغولاتنا اليدوية".

لم يمنع تفوق الفتاة بمدرستها وحصولها على معدل 98.6%، في استثمار وقت فراغها بشيء مفيد وجميل، فتهمس في أذن الجيل بنصيحة أخرجتها من أحشاء تجربتها قائلة: "جميل أن يكون للإنسان هواية غير المهنة".

ترويج إبداعات

يضم المعرض في جنباته نحو 40 زاوية تشتمل على مشغولات يدوية وتراثية وأكلات شعبية، ومنسوجات تراثية مختلفة، وكذلك لوحات ورسومات تجسد قضايا المرأة وقضايا وطنية، ويستمر حتى الساعة السادسة من مساء اليوم الخميس.

ويمثل فرصة لأصحاب المشاريع الصغيرة لترويج منتجاتهم وإظهار إبداعاتهم للناس على أرض الواقع بعدما اتبع معظمهم طرق التسويق عبر موقع التواصل الاجتماعي، في ظل صعوبة استئجار محال تجارية.

في ناحية أخرى، تمتلئ زاوية الشاب أسامة لبد بأطباق وأكواب وأباريق ومعلقات من الخزف الأبيض والأزرق، الذي يرجع تاريخه إلى عصور قديمة، وبات يُعد في الوقت الحالي أحد الفنون التشكيلية.

أشكالُ ورود متناهية الصغر تشع بالألوان تزين أطباقًا وأواني بيضاء، ومعلقات على شكل قبة الصخرة والمسجد الأقصى، ودلة "إبريق" قهوة وأكواب شاي وعصير، وبراويز للمدن الفلسطينية، يجمع فيها لبد وشركاؤه بالمشروع بين الأصالة والحداثة، يؤكدون تجذرهم وارتباطهم بقضيتهم.

بعدما انتهى من بيع بعض المنتجات التي شكلت مصدر جذب للعديد من الزبائن، تكتسي وجهه فرحة غامرة عقب نجاح مشاركته الأولى قائلاً: "الزبائن عبروا عن دهشتهم من دقة الزخارف الزرقاء متناهية الدقة، البعض لم يصدق أن هذه الأشكال أُعدَّت يدويًّا".

ويستغرق الشاب وقتًا طويلاً في الانتهاء من زخرفة الأطباق بالورود، إذ استهلكت ثلاثة أيام في تجهيز "مضيفة" مكونة من ثماني قطع تستخدم لتقديم المسليات (المُكسرات).

كانت كلمات أم شادي (55 عامًا) ممتلئة بالانبهار بعدما اشترت عدة قطع من الشاب لبد، تقول وبجوارها تقف صديقتان رافقتاها: "أحب تشجيع الصناعات الوطنية ومشاريع الشباب الصغيرة، وفي العادة أزور المعارض لأنني أجد فيها مشغولات جميلة ومشاركتي هنا نابعة من هدف وطني".

أصالة البادية

بداخل بيت "الشعر" المنصوب بصدر المعرض، تستكمل افتخار يوسف (45 عامًا) صناعة سلة من أوراق النخيل (بوص)، وأمامها تفرد منتجاتها من أوانٍ وأطباق وسلال تقديم ضيافة كجزء من تمسكها بتراثها البدوي مع إضافة لمسات عصرية بخيوط الصوف الملونة، تجلس في مكانٍ ينقلك إلى حياة البادية، الذي كان ملجأ للزوار، بهدف الاستراحة أو التقاط الصور.

تجلس على الأرض تختبئ ملامح وجهها وراء بُرقع تزينه ليرات مذهبة مشعة، ترتدي ثوبًا تراثيًا بدويًا، تمسك إبرةً وبيدها الأخرى تلف ورق النخيل "سعف" على أسلاك توصيل إنترنت لتمنح قاعدة السلة متانة وتستكمل الحواف المتبقية.

بينما تجلس على ذات الهيئة، تغادر كلمات متجذرة بأصالتها قلبها قائلة: "أحببت هذا العمل كجزء من التمسك بهويتي وتراثي البدوي، وهذا النوع عليه إقبال خاصة من السياح الأجانب، إضافة لذلك أدرّب النساء على صناعته لنقل التجربة وغرس الهوية من جيل إلى جيل، ومن جانب آخر أشجع النساء على المشاركة وصناعة الذات وتحقيق مصدر دخل".

أم أحمد كرم وهي صاحبة زاوية لتصميم أزياء مطرزة بشكل عصري حديث، ترى المعرض "فرصة لتوثيق العلاقة المباشرة مع الزبون"، أما جارتها بنفس المعرض كفا أبو شعبان التي تختص زاويتها بالإكسسوارات والأحجار الكريمة فيمثل المعرض المشاركة الثامنة لها، وهي "فرصة للترويج على أرض الواقع".

أما رجاء إبراهيم، فتمثل زاويتها مزيجًا بين أشغال الكروشيه والمعجنات والكيك، وتقدمها بأسعار "منافسة تراعي الظروف الاقتصادية للمواطنين"، بعضها على أشكال عرائس أطفال تتوسط أكواب عصائر.