فلسطين أون لاين

تقرير متحف رفح.. مقتنيات تُثري المشهد الثقافي والمعرفي الفلسطيني

...
رفح/ مريم الشوبكي:

لسنوات طويلة جمعت د. سهيلة شاهين العشرات من القطع الأثرية التي ضاقت بها أرجاء البيت بها، حتى أثارت العجب في نفوس من حولها.

شاهين (60 عامًا) محاضرة جامعية ومؤسِّسة "متحف رفح"، الذي يضم بين جنباته الصغيرة أثوابًا قديمة يعود تاريخ بعضها لأكثر من مئة عام، وإكسسوارات من الفضة الخالصة، وأدوات زراعية وحرفية قديمة تعود لما قبل نكبة 48م.

المتحف هو حلم شاهين منذ 30 عامًا، إذ واردتها الفكرة وهي معلمة وكبرت معها مع كل قطعة كانت تتلقفها بقلبها قبل يديها وهي الباحثة في مجال التراث لسنوات طويلة.

عندما تقاعدت شاهين شعرت بأن الوقت قد حان لتحوّل حلم المتحف إلى حقيقة تضم كلّ مقتنياتها التراثية في مكان واحد.

في ستة أشهر استأجرت شاهين محلًا من بلدية رفح جنوب قطاع غزة، وأسّست عليه متحفها الذي رفضت أن تسميه باسمها، بل أطلقت عليه اسم المدينة التي وُلدت بها رفح، ليكون متحفًا وطنيًا خالصًا لكل الفلسطينيين.

وشاهين ليست جامعة للتراث فقط بل هي فنانة تشكيلية، اهتمّت بجميع التفاصيل الصغيرة، وكل زاوية في المتحف، فهي صمّمت "المانيكان"، والملصقات، والبطاقات التعريفية الخاصة بكل قطعة جمعتها، لكونها حاصلة على الدكتوراة في تكنولوجيا الفنون.

تعود شاهين بالذاكرة إلى ما قبل أربعين عامًا، وتقول لـ"فلسطين": "منذ الصغر أجمع ما أصادفه من قطع تتعلق بكل ما هو تراثي فلسطيني، ولا سيما قرى ومُدن قضاء غزة، وكنت على يقين أنه سيأتي اليوم الذي سأضيف فيه شيئًا لوطني، فكانت لديّ فكرة لم تتبلوّر سابقًا لقلة الإمكانيات المادية والتي منعتني من تحقيقها".

وتضيف: "في أيّ معرض تراثي وحتى خاص بالمنتوجات النسائية تجدني متواجدة لأشتري كل ما أجده نادرًا ونفيسًا في قيمته التراثية وليس المادية، إذ بدأ الأمر لدي كنوع من الاقتناء الشخصي، قبل أن أحوّله إلى ملكية عامة يستطيع أي شخص النظر إليها".

ولطالما تساءلت شاهين عن مصير المقتنيات التراثية التي تراكمت في بيتها، هل سيتخلص منها أولادها من بعدها؟ هل سيهتمون بها؟ أم سيضيع حلمها بعرضها للناس يومًا ما ويُطمس بعد مماتها؟

وتلفت إلى أن هذه المقتنيات لم يكن من السهل الحفاظ عليها ونقلها من مكان لآخر في كل رحلة نزوح قسري بسبب العدوان الإسرائيلي.

تقول: "كنت أشعر بأن هذه المقتنيات أغلى ما أملك، أنقلها معي أينما ذهبت، وفي الوقت الذي كانت الناس تضع أوراقها الثبوتية وأموالها في حقيبة صغيرة، كنت أنا أسارع لإخراج حقائبي التي تضم هذه المقتنيات قبل أن أفكر في نفسي".

وكثيرًا ما سمعت شاهين من أبنائها عبارات الاستنكار، "ما هذه الهلاهيل التي تقتنيها وتضيعين أموالك عليها؟"، ويستغربون من تمسكها بجمعها والاهتمام بها وتعريضها للشمس بين حين وآخر لحمايتها من الرطوبة والتآكل، "والمدهش بالنسبة لهم هو إصراري على أخذها في حقائب وقت العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة".

تاريخ وهوية

اليوم عرف وأدرك أبناؤها قيمة ما تقتنيه والدتهم، بل أصبحوا أكثر فخرًا بما أنجزته، ولا سيما حينما رأوا اهتمام المسؤولين والعامة بالمتحف الذي عرضت فيه كل ما هو ثمين بالنسبة لديها، وفق قولها.

وتؤكد شاهين أن المتحف يحتوي على مقتنيات تثري المشهد الثقافي والمعرفي الفلسطيني على مر العصور.

وتؤمن شاهين بأن أيّ دولة إذا أرادت أن تبحث عن السيادة والمجد، عليها أن تبحث وتعزز تراثها، فالتراث هو تاريخ، وهوية الشعوب.

وما تبدع فيه شاهين وظهر جليًا في متحفها، هو براعتها في توظيف، وتدوير الخامات، وتحويل الرخيص إلى نفيس، ولا سيما القطع التي مرّ عليها سنوات عديدة كالأثواب، بحسب وصفها.

ويضم متحف رفح زوايا عديدة: الأثواب الفلسطينية التي تخطت 150 ثوب وكلها طُرّزت يدويًا، بالإضافة إلى زاوية المانيكان والتي تحاكي واقع المرأة الفلسطينية قديمًا، وهي جالسة في بيتها تخبز خبز الطابون والصاج وتعلّم طفلها، وزاوية المعدات المنزلية كالغربال، وطبق القش، والمشنة، والقفة، وزاوية الأدوات الزراعية لرجل كالشادوف، والمحراث الخشبي، والحديد، والكريك.

إضافة إلى زاوية الأدوات الحرفية إذ تضع أدوات حلاقة يعود تاريخها إلى أكثر من 100 عام، ومكوى تعمل بالفحم، والمذياع، والمسجل القديم، أمّا زاوية النحاسيات تضم قطع نحاسية، وزاوية الخيمة البدوية فيها وظّفت الأدوات المعاصرة مع القديمة، إضافة إلى زاوية القطع النقدية التاريخية بعضها يعود إلى العصر البيزنطي.

وهذا الجهد الظاهر في اهتمام د. شاهين بمتحف رفح، تؤكد أنه جاء بعد رحلات استكشافية نفذتها لعدة متاحف حول العالم كمتحف اللوفر في فرنسا، ومتحف الأردن، وإيران، ومصر، وغيرها من المتاحف.

المصدر / فلسطين أون لاين