بفرح يغطي سماء فلسطين، وبسعادة تجلل قبة المسجد الأقصى، نبارك نحن الفلسطينيين عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، نحن الفلسطينيين يفرحنا كل لقاء عربي عربي، ويزعجنا كل خلاف عربي عربي، ونحن الفلسطينيين نطرب لكل لقاء إسلامي عربي، ويشتت شملنا كل خلاف إسلامي عربي، ونحن الفلسطينيين ندرك أن مصير قضيتنا الفلسطينية مرتبط بمصير أمتنا، فإن نهضت، نهض معها الحلم بتصفية الكيان الصهيوني، وإن غربت، وأدبرت بالخلافات والقطيعة، وانقطع الأمل بلجم عدوان هذا العدو الغاصب.
العلاقات السعودية الإيرانية قطعت الطريق على نتنياهو، الذي ظل يراهن حتى الأمس القريب على علاقات دبلوماسية مع السعودية، بل وصل به الصلف والغرور حدًا، حين حاول ابتزاز السعودية، فعرض عليها موافقة (إسرائيل)، وإعطائها الإذن لأمريكا، لكي تزود السعودية بمفاعل نووي سلمي، مقابل العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع (إسرائيل)، هذه المقايضة الرخيصة تؤكد أن (إسرائيل)، هي التي تقف خلف رفض الكونجرس الأمريكي لصفقة المفاعل النووي السلمي للسعودية.
لقد ظن الغرب و(إسرائيل) أن أبواب السعودية مغلقة إلا على أمريكا و(إسرائيل)، حتى جاءت دولة الصين بثقلها، وقدراتها، وانفتاحها، ووقعت مع السعودية على عدة اتفاقيات تجارية، واقتصادية، مع جملة من الاستثمارات بقيمة عشرات مليارات الدولارات، بما في ذلك تطوير مفاعلات نووية لاحتياجات الرياض من الكهرباء.
السعودية وإيران ثقلان إقليميان، لهما وزنهما السياسي والاقتصادي والعسكري في المنطقة، وللبلدين قوة تأثير في كثير من الدول بالمنطقة، والصراع بين البلدين ارتد على الكثير من شعوب المنطقة بالصراعات والانقسامات، والتوافق بين البلدين سينعكس هدوءً واستقرارًا على بقية شعوب المنطقة، وأبسط ما يمكن قوله هنا: إن الحلف الإسرائيلي العربي الذي حلم به نتنياهو لم يكتمل، بل تفكك قبل أن يبدأ، وأن "الاتفاقيات الإبراهيمية" التي استظلت بها (إسرائيل)، قد أمست في خبر كان، وأن رهان الموساد الإسرائيلي على حرب يخوضها العرب ضد إيران، بتحريض من (إسرائيل) قد انتهت، وأن الشعوب قد تنبهت لمصالحها ومستقبلها المقترن بالتوافق والتفاهم، واحترام مصالح كل طرف، وأن (إسرائيل) لم تعد القوة الإقليمية والاقتصادية والاستخبارية المخيفة، التي تفرض هيمتها وتملي اشتراطاتها على المنطقة، فالتوازنات الإقليمية الممتدة من تركيا شمالًا وحتى إيران شرقًا، والسعودية في القلب، باتت هي القوى القادرة على رسم خريطة المنطقة، وضبط سياساتها، بعيدًا عن الأطماع الإسرائيلية.
وإذا كان للمتغيرات الإقليمية الدور الرئيس في استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية، فلا شك أن للمتغيرات الدولية بما في ذلك الحرب العالمية في أوكرانيا، كان لها دور بارز في المستجدات السياسية، بما في ذلك صعود الصين كثقل سياسي واقتصادي وعسكري على مستوى العالم، وما عقدته من صفقات اقتصادية مع إيران والسعودية، تقدر بعشرات مليارات الدولارات، ذلك ما دفعت الصين للقيام بدورها الدبلوماسي حفاظًا على مصالحها الإستراتيجية، وربطها بمصالح الدولتين، بعيدًا عن الإرادة الأمريكية، وبعيدًا عن الضغوط الخارجية.
القضية الفلسطينية في قلب كل مصالحة عربية إيرانية، والقضية الفلسطينية على هامش كل انقسام في المنطقة، هذا ما كشف عنه الإسرائيليون، وهم ينظرون بعين الريبة والفزع لهذه المصالحة، ولهذا التلاقي الذي سيدفن الحروب الطائفية التي صنعتها (إسرائيل)، وسيدفن الانقسامات التي رقصت لها (إسرائيل) في أكثر من ساحة، بما في ذلك الانقسام في الساحة الفلسطينية، وقد استوجب تصفيته بالتنسيق والتعاون مع الأصدقاء في الدول العربية والإسلامية، وبعيدًا عن التدخلات الإسرائيلية.