"كم مرة يجب أن نُهجّر من منازلنا؟" تساؤل ممزوج بمشاعر الغصة والحُرقة يطرحه المُسن يحيى طوطح (67 عامًا) بعدما أذاقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، عائلته مرارة التهجير القسري للمرة السابعة منذ أحداث النكبة الفلسطينية عام 1948.
السادس من مارس/ آذار مثَّل صفحة جديدة من الألم والمعاناة لعائلة "طوطح" حينما اقتحم العشرات من جنود الاحتلال المدججين بالسلاح، رفقة وحدة حرس الحدود وجرافتين عسكريتين كبيرتَين، حي واد الجوز في القدس المحتلة، وحاصرت المنزل بالكامل من جميع الجهات تمهيدًا لهدمه.
كانت عقارب الساعة تُشير عند العاشرة صباحًا، حينما اصطفت جرافات الاحتلال العسكرية، وبدأت تغرس مخالبها الحديدية في جدار منزل عائلة "طوطح"، أمام مرأى أفراد العائلة البالغ عددهم 18 فردًا من مختلف الفئات العُمرية، حسبما يروي صاحب المنزل يحيى طوطح.
بدأت حجارة المنزل تتساقط واحدة تلو الأخرى، وتتهاوى معها دقات قلب "طوطح"، والدموع تنهمر على وجنات زوجته وأطفاله وأحفاده، من شدّة حزنهم وقهرهم على هدم البيت الذي يقطنون به منذ قرابة 30 عامًا، بعدما ورثوا الأرض عن أجدادهم قبل 300 سنة.
اقرأ أيضًا: تقرير "هدم المنازل" على رأس اهتمامات المتطرف "بن غفير"
جُرم الاحتلال لم يتوقف عند هدم ذلك المنزل، بل نقلت جرافات الهدم الإسرائيلية أنيابها إلى منزل شقيقه الآخر، وأخذت تهدم به حتى أصبح المنزلان عبارة عن أكوام من الحجارة المتراصة فوق بعضها البعض.
وكانت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وضعت ورقة إخطار أمام المنزل، مفادها "عليكم إخلاء المنزلين في مدة 21 يومًا، من أجل تنفيذ الهدم بعد انتهاء المدة"، يستدرك طوطح: "رفضنا الخروج من البيت حتى آخر نفس فينا".
وبهدم هذين المنزلين يكون الاحتلال قد هدم ستة منازل من أصل سبعة منازل في تلك المنطقة منذ قرابة 30 عامًا، تتعرض للملاحقات الإسرائيلية والإخطارات طيلة تلك السنوات.
يسرد "طوطح" فصول المعاناة التي تعرضت لها العائلة على مدار قرابة 75 عامًا: "بدأ مسلسل التهجير القسري للعائلة منذ أحداث النكبة الفلسطينية عام 1948، إذ هجّرنا الاحتلال من منازلنا الواقعة في حي القطمون غربي القدس المحتلة، وكان هذا التهجير الأول".
ومنذ ذلك العام، انتقلت عائلة "طوطح" إلى منطقة حي واد الجوز بالقدس، وأُنشأت سبعة منازل لإيواء جميع أفرادها، "بعد ما تهجّرنا جئنا على هذه الأرض الموجودة منذ الأجداد قبل 300 سنة"، وفق قوله المُسن "طوطح".
لم تفق العائلة من صدمة التهجير، حتى بدأ مسلسل الملاحقات وفرض الغرامات المالية الباهظة من سلطات الاحتلال على مدار تلك السنوات.
يقول طوطح: "دفعنا مخالفات بمئات آلاف الشواكل منذ 30 سنة، من أجل الحصول على تراخيص، لكنّ الاحتلال رفض".
يُكمل والقهر يرافق صوته: "دأبت سلطات الاحتلال على هدم المنازل واحدًا تلو الآخر"، وزاد القهر أكثر حينما فرض الاحتلال على العائلة دفع تكلفة الهدم.
ويتذرّع الاحتلال بأنّ الأراضي المُقام عليها منازل عائلة "طوطح"، هي "أراضٍ خضراء"، أي أنها مخصصة لما تُسمى سلطة الطبيعة، ويلفت المُسن "يحيى" إلى أنّ العائلة خصّصت محامين ومهندسين بمبالغ مالية طائلة من أجل الحصول على تراخيص "لكن دون جدوى".
اقرأ أيضًا: الاحتلال يشرع بهدم منزلين في حي واد الجوز
ويتساءل بحُرقة "طالما يرفض الاحتلال منحنا تراخيص البناء، لماذا لا تُعيدنا إلى بيوتنا في منطقة القطمون التي ما تزال موجودة حتى الآن؟".
ويشدد المسن طوطح على أنّ "الاحتلال يسعى بهذه الممارسات العنصرية إلى تهجير الفلسطينيين والمقدسيين تحديدًا قسرًا إلى مناطق خارج فلسطين، تمهيدًا لإعطاء تلك الأراضي إلى المستوطنين، وذلك ضمن مخطط عنصري مُعد مسبقًا".
ويتابع: "نحن شعب مظلوم في ظل وجود حكومة فاشية عنصرية ظالمة، تحظى بدعم من بعض الحكومات العربية والأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية الظالمة".
وبالرغم من المأساة التي حلّت بالعائلة إلا أنّ "طوطح" ختم برسالة تحدٍّ وصمود "نحن شعب لن نتخلى عن أرضنا وبيوتنا، فنحن نريد العيش بسلام، وسندافع عن أرضنا وبيوتنا مهما كلفنا الثمن، ولو وصل الأمر المبيت في الشارع".