حداد غضب ودعوات للانتقام للشهداء على وقع المجزرة الإسرائيلية في مخيم جنين. يتكرر السيناريو من حوارة بنابلس إلى جنين، وقبل ذلك غزة، وتتكرر التنديدات وصرخات السلطة الفلسطينية بضرورة وقف الحرب المفتوحة التي تستهدف الشعب الفلسطيني ومنحه الحماية الدولية المطلوبة. في كل مرة تمر الجريمة في انتظار عملية فدائية انتقامية جديدة تستهدف الاحتلال وتحرك الآلة العسكرية الهمجية. المثير بعد هجمة الثلاثاء أن برلمان جنوب إفريقيا قرر خفض العلاقات مع (إسرائيل) في محاولة لردع الاحتلال، خطوة على أهميتها قد لا تغير من سياسات الاحتلال على الأقل حتى هذه المرحلة، ولا سيما مع تواتر الأنباء عن توجه أربع عواصم عربية وإسلامية للتطبيع على جثث الضحايا.
من برشلونة إلى جوهانسبورغ:
على وقع قرار بلدية برشلونة إيقاف التوأمة مع (تل أبيب) بسبب الجرائم المقترفة في حق الشعب الفلسطيني وقرار برلمان جنوب إفريقيا خفض العلاقات الدبلوماسية مع (إسرائيل) على خلفية مجزرة جنين الثانية يوم الثلاثاء التي انتهت باغتيال ستة فلسطينيين في حين تنفتح عواصم إسلامية على سلطة الاحتلال وتندفع نحو التطبيع مقابل غياب قرار عربي يمكن أن يشكل ضاغطا أو يفرمل خطط الاحتلال يمكن القول إن البدائل متاحة في التعاطي مع جرائم الجيش الإسرائيلي لمن اختار ذلك واستعد لمواجهة التحدي، فالأكيد وبعيدا عن لغة العاطفة والانسياق وراء الأوهام أن الجرائم ثابتة وموثقة وهي ترقى إلى جرائم الحرب التي يتعين ملاحقة ومحاسبة ومحاكمة مرتكبيها وفق القانون الدولي وما تفرضه اتفاقيات جنيف الرابعة، ولا سيما في ظل التصعيد الخطير الحاصل في الضفة الغربية المحتلة ولكنها هذه المواقف تحتاج إلى إرادة، والإرادة تبقى مرتبطة بتوافر المواقف الواضحة إزاء ما يجري في مخيم جنين من إرهاب الدولة..، ولا شك أن المشاهد والصور والأحداث الدموية المتواترة من مخيم جنين تشهد على بشاعة وفظاعة الجريمة ولكن أيضا على غطرسة مرتكبها. حالة الغضب الشعبي والحداد المعلن في جنين قد لا يعكس قتامة وخطورة ما يحدث واحتمالات تطور المشهد نحو حرب مفتوحة بين الاحتلال والفصائل الفلسطينية المتأهبة مع تكرار العدوان الذي يتجاوز في كل مرة حدود ما يمكن وصفه بالخطوط الحمراء.
بالأمس أعلن برلمان جنوب إفريقيا يق خفض العلاقات الدبلوماسية مع (إسرائيل) على خلفية الانتهاك الممنهج لحقوق الفلسطينيين.. موقف لا يمكن عده مفاجئا في بلد الزعيم مانديلا الذي رفض العنصرية المقيتة، والذي يرفض تكرار جرائم نظام الأبارتايد على الفلسطينيين. والأكيد أن برلمان جنوب إفريقيا سيواجه بسبب هذا القرار الانتقادات والإدانات والضغوطات من نفس القوى التي كانت بالأمس القريب ترفض نظام الميز العنصري في جنوب إفريقيا تماما كما حدث ويحدث مع رئيسة بلدية برشلونة ادا كولاو التي اتخذت قرارها تعليق برنامج التوأمة مع (تل أبيب) والتي تم توقيعها عام 1998 وهي تأتي بعد مطالبة أكثر من 100 منظمة وأكثر من 4 آلاف مواطن، بالدفاع عن حقوق الإنسان في فلسطين، الأمر الذي دفعها لإبلاغ رئيس حكومة المستوطنين بنيامين نتنياهو في رسالة بقرار تجميد العلاقة المؤسسية بين برشلونة و(تل أبيب) وقالت المسؤولة الإسبانية في ذلك: “لقد قررت أن أعلق مؤقتًا العلاقات مع (إسرائيل) ومع المؤسسات الرسمية لهذه الدولة ولا سيما اتفاقيات التوأمة مع بلدية (تل أبيب)، إلى أن تنهي السلطات الإسرائيلية الانتهاك المنهجي لحقوق الإنسان الفلسطيني”، وهي رسالة على درجة من الأهمية ولا تخلو من مسؤولية سياسية وتاريخية وإنسانية وأخلاقية تكاد تكون نادرة في عالم يحتكم لسلطة الأقوى وينتصر للجلاد على حساب الضحية. ولعل أكثر ما يمكن أن يزعج السلطات الإسرائيلية أن تتكرر هذه الخطوة أو تتحول إلى عدوى لتعزيز المطالب بمقاطعة المستوطنات وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على سلطة الاحتلال بما يفرض عزلها وتطويقها وربما يدفعها لاحقًا إلى التخلي عن ممارساتها.