في هجمة بربرية وحشية تشبه إلى حد كبير هجمات المغول الهمجية على حواضر ومدن العالم الإسلامي شن المستوطنون هجمتهم على بلدة حوارة تلك البلدة الفلسطينية الوادعة الجميلة التي استمدت اسمها من جمال حور العين الذي تغزل به شعراء العرب فكان اسم على مسمى زاد البلدة جمالاً وبهاءً، لم تسلم البلدة الوادعة من وحشية سوائب المستوطنين الذين استباحوا كل شيء فيها من حجر وشجر وإنسان تحت- ليس نظر الجيش الصهيوني- ولكن تحت حمايته ودعمه بل وبدون مواربة، فقد تصدرت صور الجنود الصهاينة شاشات وسائل الإعلام العالمية وهم يتابعون الجريمة ويساندون المجرمين، وهي ليست المرة الأولى التي يساند فيها جيش الاحتلال سوائب المستوطنين في اعتداءاتهم على كل ما يمت للفلسطينيين بصلة سواء كان حجراً أو شجراً أو تاريخ أوثقافة، ولا زالت كثير من نماذج تلك الاعتداءات التي رعاها الجيش الصهيوني حاضرة في الذاكرة الجمعية الفلسطينية بدءًا من مذابح نكبة 1948، و56، و67، و82 وكل الحروب التي خاضها الجيش الصهيوني ضد المدنيين العزل في الضفة الغربية وقطاع غزة بدءً من إنتفاضة 87 وحتى يومنا هذا، وأزعم أن العالم قد ألف صور الجنود الصهاينة وهم يمارسون جريمتهم اليومية المستمرة ضد المدنيين الفلسطينيين التي وثقتها إضافة لكاميرات الإعلام تقارير اللجان والمؤسسات الدولية.
ما حدث في حوارة حدث في كثير من المدن والقرى الفلسطينية ولكن الفرق بين ما حدث في حوارة وغيرها من المدن أن العدو الصهيوني لم يحاول طمس أو إخفاء جريمته كعادته، بل لقد عبر هذه المرة على لسان مسؤولين كبار في الحكومة الصهيونية وأعضاء كنسيت بما يجيش في صدورهم من سعادة غامرة بما فعله المستوطنون، ودعوا إلى احراق حوارة عن بكرة أبيها، وكأن ما حدث فيها من حرق وتدمير لم يكن كافياً البتة في نظرهم وكانت تصريحاتهم بمثابة لوم وتأنيب لسوائب المستوطنين الذين لم يكملوا المهمة من وجهة نظرهم.
القادة الصهاينة عندما يصرحون بمكنون صدورهم لم يشكلوا لنا نحن الفلسطينيين أي صدمة أو حالة استغراب أو إندهاش، فلقد عانينا على مدار سنوات طويلة من ويلات همجية الاحتلال، ما جعلنا محصنين ضد كل وسائل الإرهاب التي استنفذها العدو ضدنا حتى ما عادت تعني عنه شيئاً وما عادت تجدي نفعًا، ولكنها شكلت صدمة للعالم الحر والمتحضر كما يحب أن يسمى نفسه وأقصد على وجه التحديد الدول الغربية التي دأبت على دعم دولة الاحتلال دعماً مطلقاً غير مشروط ووفرت لها كل وسائل الحماية القانونية والدبلوماسية في المحافل الدولية وساندتها اقتصاديًّا وعسكريًّا دون انقطاع.
هذا العالم "الحر" الذي ادعى أنه صُدم من تصريحات القادة الصهاينة أورد بعض التصريحات على لسان بعض القادة الأوربيين تعبّر عن مدى استيائهم من وقوع هذه الجريمة وربما كان أبرزها تصريح الخارجية الامريكية على لسان المتحدث باسمها نيد برايس للصحافيين إن تصريحات سموتريتش "بغيضة وغير مسؤولة ومثيرة للاشمئزاز"، داعيًا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وغيره من كبار المسؤولين إلى استنكار تصريحات الوزير علنا.
التصريحات الغربية في إدانة الجريمة فتحت شهية البعض للادعاء بأن "إسرائيل" كشفت عن "وجهها الحقيقي" أمام العالم وأخذ يعوّل كثيرًا على المواقف الغربية ويدعو إلى استثمارها، بل وجد البعض من تصريحات القادة الغربيين فرصة للدفاع عن موقف السلطة الفلسطينية في حضور مؤتمر العقبة معتبرًا أن ذلك التوجه ينم عن حنكة ودهاء سياسي مارسته السلطة لتحرج إسرائيل والدول الغربية وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة، وغاب أو غُيّب عن هؤلاء أن التصريحات الإعلامية الغربية كانت دائمًا وستبقى إدانة للجريمة دون إدانة للمجرم ولقد سمعنا وشاهدنا مثل هذه التصريحات من القادة الغربيين في مواقف وأزمنة مختلفة، فلقد أدانوا جميعًا مذابح صبرا وشتيلا وأدانوا سياسة تكسير العظام في الانتفاضة الأولى وأدانوا قتل محمد الدرة وعائلة دوابشة وأبو خضر وشرين أبو عاقلة وقصف البيوت فوق رؤس ساكنيها من المدنيين أدانوا كثيرًا الجرائم لكنهم لم يحدث أن أدانوا يومًا المجرم، بل ولقد دافعو باستماتة على ألا أن ينال المجرم أي عقاب، بل لم يمارسوا أي نوع من الضغوط عليه لإجباره على الكف عن جرائمه، وأبرز مثَل فاضح على ذلك الموقف المخزي والمشين من جريمة قتل الصحافية شرين أبو عاقلة، حينما مارست الولايات المتحدة كل الضغوط العلنية والخفية على الرئيس محمود عباس حتى لا يحيل هذا الملف للجنائية الدولية، بل ولقد تواطؤوا مع المجرم في حرف مسار التحقيق وتضليل العدالة حينما ادعت الولايات المتحدة أن المعامل الجنائية لديها وهي الأكثر تطوراً وحداثة على مستوى العالم لم تستطع أن تتعرف على المقذوف الذي قتل الشهيدة شرين بدعوى أنه تضرر كثيرًا وتغيرت معالمه لدى إصطدامه بجمجمة الشهيدة شرين، أجل قالوا ذلك ليبرروا تواطؤهم وهم الذين كشفوا سر قتل الملك المصري توت كنخ أمون قبل ثلاثة آلاف عام كما ورد في وثائقي شهيد للجزيرة وقد كتبت مقالاً وقتها في هذا السياق.
إذن لم تكن التصريحات الغربية إلا لذر الرماد في العيون دون اتخاذ أدنى إجراء عقابي ضد الحكومة الصهيونية الفاشية العنصرية ولا يزال الدعم المادي والمعنوي والسياسي والعسكري والأمني تُصب على الاحتلال دون أدنى انقطاع أو توقف، ولا تزال الولايات المتحدة حاضرة بالفيتو الأمريكي لتحبط أي إدانة لجرائم الاحتلال حتى وإن لم يكن لهذه الإدانة أثر كما حدث مؤخراً في مجلس الأمن.
ليس ذلك لأن السياسة الامريكية تكيل بمكيالين ولكن لأن الغرب بشكل عام ليس وسيطاً أو محايداً أو مراقباً حتى نصفه بعدم الانصاف أو الكيل بمكيالين، ولكن لأنه طرف أصل داعم ومساند للإحتلال ومصطف إلى جانب الاحتلال ضد حقوق الشعب الفلسطيني وموقفه المعلن والثابت هو الدعم "لإسرائيل" ودعم كل خطواتها التي تتخذها في مواجهة الشعب الفلسطيني وإسداء المدح والثناء عليها حينما توافق على أن تقبل التفاوض مع السلطة الفلسطينية.
لست مستغرباً من الموقف الغربي كوني أفهم جيداً أن العالم تديره لغة المصالح وليس لغة الحق والعدل، وسيبقى مقيماً على هذه السياسة الظالمة ما بقي العرب مقيمين على سياسة الخنوع والانبطاح ليصدق فيهم قول المتنبي:
ومن يهن يسهل الهوان عليه – ما لجرح بميت إيلام