فلسطين أون لاين

صرخة "حوارة" ... هل أجبرت أمريكا على التغيير؟

 

إذا صدقت التوقعات برفض الإدارة الأمريكية استقبال الوزير الإسرائيلي سموتريتش وزير المالية الإسرائيلي الذي دعا علنًا إلى حرق وإلغاء قرية حوارة الفلسطينية من الخريطة، فإن ذلك لا يعني بالضرورة خروج الإدارة الأمريكية عن سياسة الدعم والتأييد الأعمى لتل أبيب، ولا أيضًا توقف قطعان المستوطنين في الضفة المحتلة عن سياسة العقاب الجماعي من سجن أو هدم للأحياء أو حرق للممتلكات أو إعدام في حق الفلسطينيين. لكنه مجرد ذر للرماد على العيون وأخذ بخاطر من ينتظرون موقفًا من واشنطن أو ربما رد لانتقادات كثيرة حول سياسة المكيالين للديموقراطية الأمريكية الانتقائية، القانون البريطاني مثلًا يمنع استقبال مسؤولين تلاحقهم اتهامات بارتكاب جرائم حرب ولهذا السبب فقد امتنع مسؤولون إسرائيليون عن زيارة بريطانيا، وهناك من لم يتجرأ على مغادرة الطائرة خشية اعتقاله، ومحاكمته وهذا كان شأن وزير الأمن آفي دختر والجنرال درون أولغ، وموشيه يعلون، وهرتسيا ليفي، وتسيبي ليفني وزيرة الخارجية الإسرائيلية سابقًا وآخرين، وأغلبهم كانوا يتلقون إشعارات قبل مغادرة الطائرة فيعودون على أعقابهم ولا يواجهون الاعتقال، بمعنى أن القوانين الدولية كانت وما تزال تستثني مجرمي الحرب الإسرائيليين، ومن ذلك أن الوزير اليميني المتطرف الذي دعا صراحة إلى إلغاء حوارة من الخريطة الفلسطينية يبدأ الأحد زيارة إلى واشنطن للمشاركة في اجتماع سنوي لجمع الأموال والتبرعات من اليهود في الخارج لتوسيع، المشاريع الاستيطانية دون أن يخشى الاعتقال أو المحاكمة أو حتى ردة على أعقابه، وكم كنا نتمنى أن يبادر عرب أمريكا المسيحيين والمسلمين إلى خطوة مماثلة لجمع لتبرعات لفائدة أطفال المخيمات الفلسطينية أو مستحقيها تحت الاحتلال ولا سيما الذين يرفضون التخلي عن الأرض، ويصرون على البقاء شوكة خانقة في حلق المحتل.

لا خلاف أن ما تعرضت له قرية حوارة الفلسطينية ومن قبلها جنين ونابلس ليست سوى مقدمة لما تخطط له حكومة نتنياهو في هذه المرحلة للمضي قدمًا في فرض سياسة الأمر الواقع، والاستثمار في انصراف العالم إلى الاهتمام بسيناريوهات الحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا، ولاشك أن حوارة التي تخضع لحصار يدخل اليوم أسبوعه الثاني على التوالي تختزل حصار غزة المستمر منذ أكثر من عقد ونصف بكل ما يعنيه ذلك من تضييق على الفلسطينيين في حياتهم اليومية، ومن تدمير للمؤسسات والتراث، والذاكرة، ومن مصادرة وتدنيس للمقدسات، ومن سطو لما بقي من الأرض، وحرق للشجر، وكسر للإرادة البشرية من أجل الوجود والكرامة والحرية وهي إرادة تأبى أن تندثر بالرغم من الخذلان المتكرر والطعن المستمر للفلسطينيين، الذين يتمسكون بحقهم في البقاء على أرضهم.

ما يحدث في حوارة التي بقيت صامدة رغم ما لحقها من خراب و دمار وحرق هو استنساخ للممارسات التي دأبت عليها العصابات الصهيونية منذ النكبة وهو إحياء للإرث الإجرامي للاحتلال وتكرار لما حدث في قبية وفي القدس وفي تنتورة وما كشفته الصور عن الجرائم التي اقترفها المستوطنون حتى الآن في هذه القرية الفلسطينية تختزل كل ذلك وتكذب كل بيانات التزييف التي ارتبطت بمخرجات قمة العقبة الأسبوع الماضي بعد تصريحات نتنياهو الواضحة بأن ما حدث في الأردن يبقى في الأردن وهو ما يعني صراحة أن ما يروج عن عودة للاتفاقات والمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية ليس سوى نكتة سمجة لا يقبلها سوى الأغبياء.

خلاصة القول أن ما حدث في حوارة التي تواصل لملمة جراحها على وقع بيانات التعاطف العربي والغربي البائسة إعلان رسمي من الاحتلال بدور قطعان المستوطنين المسلحين تحت حماية قوات الاحتلال على الخط العسكري في فرض سياسة العقوبات الجماعية على الأهالي، لقد كشفت دعوة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إلى هدم وحرق حوارة أن النزعة العنصرية الاسرائيلية متغلغلة في هذه الحكومة وحتى في سابقاتها، ولو أن هذا التصريح صدر عن أي ناشط أو مسؤول فلسطيني لمنع من دخول أي بلد أوروبي ولكانت عواصم العالم اهتزت لذلك، واستنفرت حماية لإسرائيل المهددة في أمنها من جراء البطش الفسطيني.

المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، وصف تصريحات الوزير الإسرائيلي بأنها "بغيضة وغير مسؤولة ومثيرة للاشمئزاز. وهو في الحقيقة أقصى ما يمكن توقعه عندما يتعلق الأمر بالحليف الإسرائيلي المتمرد على كل القوانين الدولية والإنسانية التي تحظر سياسة العقاب الجماعي كما تنص على ذلك اتفاقية جنيف الرابعة.

سموتريتش الوزير في حكومة نتنياهو يعد أن ما يقوم به المستوطنون من من اعتداءات يومية على الفلسطينيين، وهدم للبيوت، وحرق للممتلكات ومن قتل واستهداف مبرر في التوراة وما أقدم عليه الإرهابي باروخ غولدشتاين عندما اقترف مذبحة الحرم الإبراهيمي التي راح ضحيتها 29 فلسطينيًا وهم يصلون ليس إرهابيًا وأنه فهم ما جاء في التوراة، وهو مكتوب في كتاب الحكماء أن مستقبل إسرائيل، ومستقبل القدس لن يقف على ضفة النهر بل سيصل إلى الأردن والتوسع نحو دمشق.

تصريحات وزير المالية الإسرائيلي بتسئيل سموتريتش، التي دعا فيها إلى محو بلدة حوارة الفلسطينية عن الوجود، وثيقة إدانة كافية لتقديمه للعدالة الدولية، والأرجح أنه لا يهذي بل هو ينطق عن قناعة، وبلغ نقطة اللا عودة في القفز على الحقائق وإنكار الواقع، والانتصار لحق الجلاد على الضحية بتطويع القانون الدولي، وتنفيذ ما يروج له نتنياهو بأن الفلسطينيين يريدون قتلنا، والرد يجب أن يكون بضربهم بشدة، والأكيد أن توجه الكنيست الإسرائيلي للتصويت على مشروع قانون يسمح بقتل الفلسطينيين الذين ينفذون عمليات ضد الاحتلال يعني الذهاب بعيدًا في تنفيذ سياسة العقاب الجماعي من سحب للهويات، وهدم للبيوت، وسجن للأقارب، وتهجير جماعي، وكل الأسباب مطلوبة لإفراغ الأرض من أهلها تحت أي ذريعة كانت.

المصدر / رأي اليوم