غرباء, منفيون, ومهجرون، أكثر شعوب الأرض والأقليات الدينية اضطهادًا, شعب يرد ذكره فقط في تقارير منظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام الدولية عندما يُقتّل، إنهم مسلمو الروهينجا يقدر عددهم بمليون مسلم، نحو 4% من سكان ميانمار يعيشون في منطقة الراخين ما يعرف بأراكان سابقًا.
وقبل المضي في التفاصيل أريد إطلاع القارئ على تفاصيل ميانمار:
تقع دولة ميانمار في جنوب شرقي آسيا، بين بنجلاديش وتايلاند، وتبلغ مساحتها نحو 676,578 كم2، ويبلغ عدد سكانها نحو 54,584,650 نسمة، وعاصمتها رانجون، ولغتها الرسمية هي البورمية، وكانت تلك الدولة جزءًا من الهند إلى أن أعلنتها بريطانيا مستعمرة بريطانية منفصلة عام 1937م حتى استقلت عن التاج البريطاني عام 1948م.
وميانمار دولة متعددة العرقيات إذ تضم أكثر من 140 عرقية، أهمها البورمان 68%، والشان 9%، والكارين 7%، والراخين (مسلمو الروهينجا) 4%، والصينيون 3%، والهنود 2%، والمون 2%، إضافة إلى عرقيات أخرى تبلغ نسبتها نحو 5%.
ووفقًا للإحصاءات الرسمية إن نحو 90% من السكان يدينون بالبوذية، تتوزع النسبة الباقية بين المسيحية 6% والإسلام 4%، ويشكك زعماء الروهينجا في هذه الإحصاءات، مؤكدين أن نسبة المسلمين في ميانمار لا تقل عن 20%، وميانمار ثاني أفقر بلد في قارة آسيا، وفقًا لتقديرات البنك الدولي.
وصل المسلمون إلى دلتا نهر إيراوادي في بورما على ساحل تانينثاري، وولاية أراكان، في القرن السابع الميلادي، إبان عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد، وقد أسسوا إمارة أراكان التي استمر الحكم الإسلامي فيها نحو ثلاثة قرون، منذ عام 1430م حتى عام 1784م، دخل خلالها الكثير من السكان المحليين في الدين الإسلامي، إلى أن احتل البوذيون أراكان عام 1784م وضموها إلى بورما، ومنذ ذلك التاريخ بدأت أولى حلقات العنف البوذي ضد المسلمين، التي استمرت حتى احتلال بريطانيا بورما عام 1824م.
ولعل أبرز موجات الاضطهاد العقدي في ميانمار كانت في مطلع أربعينيات القرن الماضي، إذ أقدم البوذيون على اقتراف مذبحة كبيرة بحق مسلمي الروهينجا بمساعدة بريطانيا، أودت بحياة أكثر من 100 ألف مسلم معظمهم من النساء والشيوخ والأطفال.
وعقب استيلاء الشيوعيين على الحكم في بورما عام 1962م، بعد انقلاب عسكري قاده الجنرال «تي ون»؛ كان من أول قراراتهم مصادرة ما يزيد على 90% من أراضي المسلمين وممتلكاتهم، وأصدروا قرارًا بسحب الجنسية من آلاف المسلمين بولاية أراكان وإبعاد نحو 28 ألف مسلم إلى الحدود مع بنجلاديش المجاورة، وفي العقد من الثمانينيات حتى مطلع التسعينيات طرد أكثر من مليون من مسلمي الروهينجا من ديارهم وأبعدوا إلى حدود بنجلاديش وغيرها من البلاد المجاورة، ما أدى إلى وفاة نحو 40 ألفًا منهم في المنفى، ولم تكتف الحكومة الماركسية بهذا القدر من الاضطهاد، بل واصلت عنصريتها بحرمان المسلمين من عرقية الروهينجا حقوق المواطنة والجنسية البورمية، وعدتهم منذ ذلك التاريخ مهاجرين بنغاليين غير مرغوب فيهم، وعملت على إجلاء نحو 150 ألف مسلم من ديارهم بأراكان، لبناء قرى ومنازل للبوذيين في إطار محاولات تغيير التركيبة الديموجرافية للولاية.
لا يزال جيش ميانمار منذ عام 2012م يرتكب انتهاكات جسيمة ضد حقوق الإنسان، شمالي إقليم أراكان، تتمثل باستخدام القوة المفرطة ضد مسلمي الروهينجا، وقتل وتهجير أعداد كبيرة منهم. ومنذ عام 2016م وصل إلى بنغلاديش نحو 87 ألف شخص من الروهينجا، والآن تمارس حكومة ميانمار حملة "تطهير عرقي" بدم بارد على مرأى ومسمع العالم، إذ هجر أكثر من 50 ألف شخص من المسلمين الروهينجا خلال الأسبوع الأخير فقط، وهم الآن في الجبال والغابات أو في المنطقة الحدودية بين بورما وبنغلاديش.
الشجب والإدانة لا يكفيان، والصمت والسكوت عن جرائم حكومة ميانمار بحق الأقلية المسلمة جريمة لا تغتفر، وكلٌّ سيكون مشاركًا فيها، لذا يجب على المجتمع الدولي كل هيئاته ومنظماته ومنظمة المؤتمر الإسلامي التدخل العاجل لإنقاذ مسلمي الروهينجا، واتخاذ القرارات والتدابير والإجراءات اللازمة والمستعجلة من أجل حماية عشرات الآلاف من المسلمين الهاربين من جحيم بورما، ووضع حدّ لهذه الانتهاكات الخطيرة، والعمل على الوقف الفوري لها، وتقديم المسؤولين للمحاكمة أمام العدالة الدولية على جرائم الحرب التي اقترفوها بحق الأبرياء والنساء والأطفال.