أكد رئيس الدائرة السياسية والعلاقات الخارجية لحركة حماس في غزة د. باسم نعيم، أنّ الحركة تعمل وتتحرك في الساحة الدولية بهدف محاصرة الاحتلال الإسرائيلي وعزله وفرض المقاطعة عليه، تزامنًا مع تصاعد انتهاكاته التي يرصدها الجميع حول العالم، مبينًا أنها استطاعت نسج علاقات دولية وإيجابية متطورة.
جاء ذلك في ندوة سياسية عقدتها صحيفة "فلسطين" في مقرها بمدينة غزة، مؤخرًا، بعنوان "حماس في المشهد الدولي وتداعيات التطبيع على القضية الفلسطينية"، واستضافت فيها نعيم، وحضرها المدير العام للصحيفة رامي خريس، ومدير التحرير سمر شاهين والصحفيون والعاملون فيها.
ونبَّه نعيم على أنّ البعد الدولي جزء أساسي في الصراع مع الاحتلال، ويُشكّل جوهر العمل السياسي لحركة حماس، خاصة أنّ من صنع كيان الاحتلال هو المجتمع الدولي.
تطورات ملموسة
وأضاف نعيم: أنّ كيان الاحتلال ما كان له أن يستمر لولا الدعم غير المحدود من الغرب، ولذلك فإنّ حماس تحرص على علاقات مفتوحة مع كل الدول حول العالم "ما عدا الكيان الصهيوني".
وبيّن أنّ حماس تهدف من عملها في الساحة الدولية إلى بناء علاقات قائمة على أرضية صلبة، تستند إلى الحق الفلسطيني بكلّ تفاصيله، وفي مقدمتها الحق في مقاومة الاحتلال بكلّ الطرق بما فيها المسلحة، وكذلك حقّ شعبنا بالعودة وتقرير المصير، ودولة مستقلة عاصمتها القدس.
وأكمل: هناك تطورات ملموسة في العلاقة مع الكثير من الدول حول العالم، ومنها روسيا، ودول أوروبية، وفي أمريكا اللاتينية أيضًا، موضحًا أنّ جزءًا من هذه العلاقات غير معلن عنها لأسباب سياسية، ولكنها دائمة ومستمرة وإيجابية ومثمرة.
ولفت إلى أنّ حماس تقرأ المشهد الدولي جيدًا وبعمق، وتدرك تمامًا مرحلة تحوُّل العالم من القطب الواحد المتمثل بالولايات المتحدة الأمريكية إلى عالم يحكمه عدد من الفاعلين، إن لم يكن عدد من الأقطاب، وقد رافق ذلك صعود لبعض الأطراف الدولية واحتكاك بينها والقطب المسيطر، ومنها روسيا، والصين، وتركيا، وإيران، ودول أخرى في أمريكا اللاتينية وإفريقيا.
وعدَّ أنّ هذه التغيرات الدولية تُشكّل تطورًا إيجابيًّا لصالح العدل والاستقرار والسلام والأمن الدولي، وتطورًا إستراتيجيًّا لصالح القضية الفلسطينية وحقوق شعبنا أيضًا.
تحدٍ كبير
من جانب آخر، عدَّ أنّ تطبيع أنظمة عربية مع كيان الاحتلال وما نتج عنه من محاولات شرعنة وجوده في المنطقة، ما زال يُعدُّ التحدي الأكبر الذي يواجه القضية الفلسطينية.
ونبَّه نعيم على أن الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية يواجهان مشروعًا جديدًا وضعت الولايات المتحدة الأمريكية معالمه قبل عشرات السنين، في محاولة بائسة لتجسيد فكرة التعايش مع الكيان، وشرعنته في المنطقة، وتعزيز وجوده.
وأشار إلى أنّ دولًا عربية مقتنعة بهذه الفكرة، وتعمل من أجل هذا المشروع أكثر من الاحتلال نفسه، وتمارس ضغوطاتها على دول عربية أخرى، من أجل القبول بتطبيع العلاقات مع (تل أبيب).
وبيّن نعيم أنّ الأنظمة العربية المُطبّعة تؤمن بأفكار جديدة لا تتبنّى قضيتنا الوطنية، وهي تهتم فقط بمصالحها دون أيّ اعتبار لتضحيات الشعب الفلسطيني في الدفاع عن المقدسات في الأراضي المحتلة.
كما لفت إلى أنّ الأنظمة المُطبّعة مع الكيان تعمل على إعادة موضعة مكانها بين دول المنطقة، عادًّا أنّ التطبيع الوجه الآخر للاحتلال في المنطقة.
وأكد أنّ الأطراف العربية المطبعة أدركت أنّ اتفاقيات التطبيع طيلة السنوات الماضية بقيت على مستوى النظام السياسي فقط، وهي الآن تستخدم أدواتها الإعلامية، ومواقع التواصل الاجتماعي، والمسلسلات وغيرها، لغسل دماغ شعوبها.
لكنه أشار إلى أنّ خصوصية القضية الفلسطينية والبُعد العقائدي الذي تتمتع به، جعل الأنظمة المُطبّعة غير قادرة على إقناع شعوبها بجدوى التطبيع مع كيان الاحتلال على حساب قضيتنا الوطنية.
تحريم التطبيع
وبيَّن رئيس الدائرة السياسية والعلاقات الخارجية في حركة حماس بغزة، أنّ العقيدة السياسية لحماس قائمة على تحريم أيّ محاولة تُشرّع وجود الاحتلال، ولن تقبل بذلك تحت أيّ ظرف كان، لافتًا النظر إلى أنّ رؤيتها السياسية الإستراتيجية بطبيعتها متحركة وديناميكية، وتنطلق منها في علاقاتها مع الأنظمة المُطبّعة.
وشدَّد نعيم أنه على الرغم من الظروف الصعبة، إلا أنّ حركة حماس تدرك تمامًا عدم إمكانية ترك الساحة الدولية لـ(إسرائيل)، مع ضرورة إبقاء الرواية الفلسطينية حاضرة.
وعدَّ أنّ صعود اليمين المتطرف يُشكّل فرصة قوية لصالح المشروع السياسي الفلسطيني، لما سيترتب على ذلك من تفكُّك وشرذمة في الكيان، وعزوف المجتمع الدولي -الذي يتبنّى حل الدولتيْن- عن الدفاع عن احتلال يتبنّى قيمًا عنصرية وفاشية.
وأضاف: إنّ حركة حماس تُسلّط الضوء على انتهاكات الاحتلال وكشف جرائم الهدم والاغتيال واستهداف الأقصى، مستندةً بذلك إلى القوانين والقرارات الدولية التي تُقرُّ بأنّ المسجد الأقصى معلمًا إسلاميًّا خالصًا.
وبيَّن أنّ سلوك وتصرفات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، تجاه الكيان غير معهودة من قبل، بسبب التطرف الزائد لحكومة المستوطنين الفاشية برئاسة بنيامين نتنياهو، ومن الممكن استغلال هذه المواقف لخدمة القضية الفلسطينية.
وأكد أنّ حركة حماس تمدُّ يدها لتحقيق المصالحة والوحدة بناءً على قواعد وطنية يقبلها الجميع، وذلك ضمن إستراتيجيتها لتحييد الخلافات الداخلية لصالح صياغة المشروع الوطني ومواجهة الاحتلال.
وأضاف: "حماس لديها مرونة وتقبل بما يقبل به الجميع، وأولويتها الأولى الصراع مع الاحتلال".
لكنه نبَّه على أنّ رئيس السلطة محمود عباس، يستغل الموقف الأمريكي المعادي لحركة حماس وفصائل المقاومة لتعطيل المصالحة، ويتخذ من ذلك ذريعة لعدم إعادة بناء المؤسسات الفلسطينية على قاعدة الوحدة والشراكة.
تصاعد المقاومة
من ناحية أخرى، أكد نعيم أنّ تصاعد المقاومة في الضفة الغربية يُشكّل كابوسًا للاحتلال ومشروعه، الهادف إلى السيطرة على ما تبقّى من الأراضي الفلسطينية.
وقال: إنّ الاحتلال طيلة السنوات الماضية وبمساعدة أمريكا ومشاركة السلطة، حاولوا جميعًا خلق واقع جديد في الضفة يجعل من المقاومة عملًا مستحيلًا وباهظ التكلفة، سواء عبر الإغراءات وفتح أبواب العمل والتجارة أو بالضغوطات الأمنية وملاحقة كل من يفكر في الانضمام للمقاومة.
أما عن العوامل التي أدت إلى تصاعد المقاومة بالضفة، بحسب نعيم، تتمثل بواقع الظلم الذي يمارسه الاحتلال في الأراضي المحتلة، وما يرافق ذلك من اعتقال وتنكيل بالمواطنين، ومصادرة أملاكهم، وانتهاك المقدسات الإسلامية والمسيحية.
وتابع: إنّ "الواقع المؤلم والصعب بالضفة أحد أهم العوامل التي أدت إلى تصاعد المقاومة، وفشل المشروع الصهيوني في احتواء رغبة شعبنا وإرادته في مقاومة الاحتلال".
وعدَّ أنّ استهداف الاحتلال المتعمّد والمتكرر لرموز وعناصر المقاومة في الضفة، محاولة جديدة للسيطرة على تصاعد المقاومة واحتوائها، لكنّ ذلك لن يكسر إرادة ورغبة شعبنا في مقاومة الاحتلال لتحقيق تطلعاته للحرية والاستقلال.
وبيّن أنّ المشروع التحرري لحركة حماس يهدف إلى تحرير كل فلسطين من البحر إلى النهر، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين إلى بيوتهم وديارهم التي هُجّروا منها عام 1948.
وأكد أنّ حماس تعتمد إستراتيجية قائمة على أنّ "الاحتلال ليس له عند الشعب الفلسطيني إلا المقاومة بأشكالها المتاحة كافة وفي القلب منها المسلحة".
وتَعدُّ حركة حماس -بحسب نعيم- وحدة الشعب الفلسطيني بكل مكوناته السياسية والمجتمعية وفعالياته شرطًا وواجبًا لتحقيق النصر في معركة التحرير، وتحقيق ذلك واجب وليس خيارًا، ولذلك تبذل جهودها لتوحيد الشعب الفلسطيني خلف مشروع التحرير، وأداته الرئيسة المقاومة.
كما نبَّه إلى إدراك حماس الكامل أنّ أحد أهم أدوات التحرير هو بناء مؤسسات فلسطينية جامعة تقوم على الشراكة الكاملة، وتستوعب مكونات شعبنا في الداخل والخارج وفعالياته السياسية والمجتمعية والثقافية، وتمثله تمثيلًا حقيقيًّا وتراعي التغيرات التي حدثت عبر الأجيال.
وأشار إلى أنّ حماس تنظر إلى الأمة العربية والإسلامية كأنها امتداد طبيعي للشعب الفلسطيني، ويتوجب على هذه الأمة مساندة شعبنا في معركة التحرير.
مشروع عباس
وفي موضوع آخر، قال رئيس الدائرة السياسية والعلاقات الخارجية في حركة حماس بغزة: إنّ رئيس السلطة محمود عباس "لا يمثل نفسه وإنما يمثل مشروعًا له امتداداته في الداخل والخارج، وهو قائم على التنازل والتفريط وأهم أدواته استمرار التفاوض، الذي أثبت فشله على مدار 30 سنة، ولم يورثنا إلا مزيدًا من الاحتلال والاستيطان والهيمنة وانتهاك المقدسات".
ونتيجة لذلك، وفق نعيم، تراجعت القضية الفلسطينية بشكل واضح على المستوى الدولي، بعد أن كانت القضية المركزية للأمة العربية والإسلامية، ومن أهم الصراعات التي يعمل المجتمع الدولي على حلّها.
وتابع: إنّ "رحيل عباس يجب أن يُشكّل بداية لمرحلة جديدة، وفرصة لشعبنا للانطلاق من جديد، وإعادة تموضع القضية في مكانها، والتي يجب أن تكون القضية المركزية للأمة، وجوهرها مقاومة الاحتلال بكل السبل".
وبشأن دوافع حركة حماس للعودة إلى الساحة السورية، قال نعيم: إنّ إستراتيجية حماس في العلاقة مع الدول العربية والإسلامية قائمة على قاعدة أنها امتداد طبيعي وإستراتيجي داعم للقضية الفلسطينية وحقوقه".
وبشأن اللقاء الأمني في مدينة العقبة الأردنية، بمشاركة الاحتلال الإسرائيلي والسلطة، مؤخرًا، قال نعيم: إنه يهدف إلى تنفيذ الخطة الأمنية الأمريكية، وبأيدٍ فلسطينية لقمع مقاومة شعبنا وكبح تطلعاته نحو الحرية والاستقلال.
وخاطب قيادة السلطة في رام الله قائلًا: إنّ "كلّ الخطط الأمنية الأمريكية السابقة فشلت في قمع إرادة شعبنا بالمقاومة والتخلص من الاحتلال، كما أنها لن تحميكم من غضب شعبكم إذا حلّ الوقت المناسب".