قائمة الموقع

أكل الربا.. عقوبته وآثاره على الفرد والمجتمع

2023-03-02T13:11:00+02:00
أكل الربا.. عقوبته وآثاره على الفرد والمجتمع

حارب الإسلام الربا، وأكله، وشدد عقوبته في الدنيا والآخرة لما له من آثار مدمرة على الفرد والمجتمع، وجعله واحد من السبع الموبقات، التي تودي بصاحبها للتهلكة والنار، وقد سميت موبقات؛ لأنها توبق أي "تُهلك" مرتكبها، وتحل عليه سخط الله، وعذابه في الدنيا والآخرة.

وقد نهى الإسلام عن آكل الربا في محكم التنزيل، وحذر من عاقبته السيئة ونهايته المؤلمة، فالربا حرام كله، كثيره وقليله، بجميع أشكاله وأنواعه، وصوره ومسمياته، ولم يأذن الله في كتابه العزيز بحرب أحد إلا أهل الربا.

ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وكل ما يدور في دائرة الربا وتسهيله ومعاملته، وقد صح في الحديث الشرف قوله عليه السلام (لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ)، وَقَالَ: (هُمْ سَوَاءٌ).

وترجم الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه سائقا في باب آكل الربا حديثين أَحَدهمَا حَدِيث عَائِشَة "لِمَا نَزَلَتْ آخِر الْبَقَرَةِ قَرَأَهُنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ حَرَّمَ التِّجَارَة فِي الْخَمْر"، ثَانِيهمَا حَدِيث سَمُرَة عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي، فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ وَعَلَى وَسَطِ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ، فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ ، فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ، فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ، فَقُلْتُ مَا هَذَا؟ فَقَالَ: الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُ الرِّبَا).

وإن ظهور الزنا كما أخبرنا صلى الله عليه وسلم، من أسباب حلول العذاب، حيث قال "ما ظَهَرَ فِي قَوْمٍ الزِّنَى وَالرِّبَا إِلا أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ عِقَابَ اللهِ" رواه أبو يعلى وجوَّد إسناده المنذري.

عقوبة آكل الربا:

1. الحرب من الله:

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾. قال ابنُ عَبَّاسٍ: (يُقَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لآكِلِ الرِّبَا: خُذْ سِلاحَكَ لِلْحَرْبِ) رواه الطبري.

2. اللعنة من الله:

عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ»، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ.

3. السباحة حين تقوم الساعة في نهر من الدم:

قال صلى الله عليه وسلم: (رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي، فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ وَعَلَى وَسَطِ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ، فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ، فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ، فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ، فَقُلْتُ مَا هَذَا؟ فَقَالَ: الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُ الرِّبَا) رواه البخاري.

4. البعث يوم القيامة مجنونا:

قال تعالى ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾.

5. آكلِ الرِّبا ممحوقٌ "الخسارة":

قال تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ﴾، وقال صلى الله عليه وسلم: (الرِّبَا وَإِنْ كَثُرَ، فَإِنَّ عَاقِبَتَهُ تَصِيرُ إِلَى قُلٍّ) رواه الإمام أحمد وصححه الذهبي، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَا أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنَ الرِّبَا إلاَّ كَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهِ إِلَى قِلَّةٍ) رواه ابن ماجه وحسنه ابن حجر.

ثلاثة أمور عظام لآكل الربا:

أولا: التشبه باليهود:

قال تعالى ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾.

ثانيا: التشبه بأهل الجاهلية:

قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ) رواه مسلم.

ثالثا: أن الرِّبا أعظَمُ من الزِّنا:

قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (الرِّبَا ثَلاثَةٌ وَسَبْعُونَ بَابًا ، أَيْسَرُهَا مِثْلُ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ) رواه الحاكم وصحَّحه ووافقه الذهبي، وقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (دِرْهَمٌ رِبًا يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ، أَشَدُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلاثِينَ زَنْيَةً) رواه الإمام أحمد وصححه الألباني، قال الشوكاني: (يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَعْصِيَةَ الرِّبَا مِنْ أَشَدِّ الْمَعَاصِي؛ لأَنَّ الْمَعْصِيَةَ الَّتِي تَعْدِلُ مَعْصِيَةَ الزِّنَا الَّتِي هِيَ في غَايَةِ الْفَظَاعَةِ وَالشَّنَاعَةِ بِمِقْدَارِ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ بَلْ أَشَدُّ مِنْهَا، لا شَكَّ أَنَّهَا قَدْ تَجَاوَزَتْ الْحَدَّ في الْقُبْحِ).

اخبار ذات صلة