لم تكن أرضها المحاذية للسياج الفاصل تسلم من المواجهات مع جنود الاحتلال الإسرائيلي، أو من أنياب جرافاته العسكرية التي اقتلعت الأخضر واليابس على مدار سنوات طويلة، فكانت بمنزلة مادة صحفية للمصورين لنقل معاناتها، أو تصوير مزروعاتها الشتوية والصيفية، تستثمر وجودهم في إعداد بعض الأكلات التراثية لتقديم واجب الضيافة، إلى أن راودتها فكرة تحويلها إلى مزار سياحي يعبّر عن أصالة الشعب الفلسطيني.
تعلّقت السبعينية أمونة أبو رجيلة بمهنة الزراعة منذ طفولتها عندما كانت ترافق والدها في ذهابه لفلاحة أرضه، ومنذ ذلك الوقت قطعت أكثر من 4 عقود تزرع في أرضها الخضراوات الشتوية والصيفية وتبيعها في أسواق مدينة خان يونس حيث تقطن منطقة خزاعة شرق محافظة خان يونس.
تقول لصحيفة "فلسطين": "عملت مع زوجي بالزراعة وامتهن أبنائي الخمسة المهنة لتكون المصدر الرئيس لدخلهم، خاصة بعدما ورثت عن عائلتي قطعة أرض تقع في المنطقة المحاذية للسياج الفاصل، وكانت قبل عام 2014 تتعرّض بشكل دائم للتجريف واقتلاع الأشجار".
قرّرت الحاجة أمونة تحويل قطعة الأرض تلك إلى مزار سياحي أطلقت عليه "ريف خزاعة" حيث يغلب عليه طابع الحياة الريفية، إذ اعتمدت في بنائها على الحجر البلدي القديم، نصبت فيه خيمة بدوية فرشتها بأثاث يعبّر عن حياتهم.
وإحدى الزوايا احتضنت فرنًا طينيًّا، وبئرًا للمياه، مشيرة إلى أنها اعتمدت هذا الطابع للتعبير عن الحياة الفلسطينية القديمة وأصالة الشعب الفلسطيني وتاريخه الذي يحاول الاحتلال سلبه.
وتضيف أبو رجيلة: "المكان يعتمد على مظاهر الحياة البسيطة والبدائية ويعبّر عن الهوية التراثية، فأستخدم النار في طهي ما أقطفه من خيرات الأرض".
ويقصد ريف خزاعة الزوار من كل مكان، يجلسون لتبادل أطراف الحديث عن الحياة وتبدلاتها قديمًا وحديثًا، "كما أن الطبيعة وجمالها تريحان النفس".
وعن توجّهها لصناعة الأكلات التراثية وتقديمها للزوار، ترى أنه سبب للتعبير عن حبها للتراث بشتى أشكاله وللمحافظة على ميراث أجدادها وتعليمه للأبناء، وتقدم الأكلات الشعبية القديمة كالمفتول والمسخن والمناقيش، والمقلوبة، وزر القدرة، والخبيزة، والحمصيص، والقرصة، والشكشوكة، والبيض مع البصل، وخبز الشراك وتقدمها بالأواني الفخارية، وتعد الشاي والقهوة على النار بنفس فلسطيني أصيل.
وفي أرضها الزراعية تعمل على تجفيف بعض الخضراوات كالملوخية في موسمها، والبقوليات، والفول الأخضر والبازيلاء والفاصوليا، والباميا والطماطم.
يبدأ نهار الحاجة أمونة عند الساعة السادسة والنصف، تستهله بالاعتناء بمزروعاتها خاصة الأشتال الصغيرة كالجرجير والفجل والبقدونس بالإضافة إلى الملفوف والبروكلي وغيرها، وبعد الانتهاء منها تبدأ في تنظيف وترتيب المكان وإعداده وتجهيزه لاستقبال الزوار.
ولا تغفل الحاجة أمونة عن تأمين بعض الاحتياجات التي تلزمها في إعداد الأكلات من السوق، حيث تلقي بعض المهام على أبنائها في جمع الحطب وتجهيزه وإشعال النار في فرن الطينة لكونه يحتاج إلى بعض الوقت، وبعضهم يساعدها في إعداد الطعام.
ولا يقتصر المزار على المقتنيات التي بداخله وما يقدّمه من مأكولات تراثية، بل أيضًا طريقة حديث الحاجة أمونة وكلامها وحكاياتها عن الأكلات القديمة وطريقة إعدادها، وقصص الآباء والأجداد، والزواج والحياة تجذب الزوار.
وأكثر ما يستهجنه زوار "ريف خزاعة" قرب المزار من الحدود مع الاحتلال، فيرون الآليات العسكرية لجيش الاحتلال تتمركز بالقرب من السياج الأمني الفاصل.
وتؤكد الحاجة أمونة أن وجودها على أرضها تعبير عن تمسكها بها، وحنينها للعودة إلى أرض أجدادها التي سلبت منها قسرًا.
ولـ"ريف خزاعة"، صفحات على شبكات التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" و"انستغرام" يشرف عليها أحد أبنائها، حيث ينشر صورًا ومقاطع مصورة عما يدور في المزار.