تستلهم فرقة مزاج المقدسية معزوفاتها من رحم المعاناة اليومية للإنسان الفلسطيني، وتجسد الآلام على وقع ألحان إبداعية تروى بلهجة مقدسية مستمدة من رمزية أسوار القدس.
تمزج الفرقة الفلسطينية في إنتاجها الفني بين الموسيقى الشرقية والغربية، وتدمج بين اللونين الموسيقيين في إطار واحد متميز، يعكس واقعًا فنيًّا جديدًا، يُشكّل امتدادًا حيويًّا لحضارات تعاقبت وتركت أثرها الفني والثقافي على فلسطين منذ قرن من الزمان.
جريس بلاطة، أحد مؤسسي فرقة مزاج، هو عازف بيانو وملحن وأستاذ جامعي ومهندس معماري فلسطيني، ولد في القدس عام 1986، بعد أن أنهى دراسته الجامعية في إيطاليا، عاد ليُعلم في العديد من المعاهد الموسيقية، والجامعات الفلسطينية ليخدم وطنه بالثقافة والفن.
يقول بلاطة لـ"فلسطين": "تستلهم الفرقة زمانها وظرفها الإنساني، وتنبع معزوفاتها من رحم المعاناة اليومية للإنسان الفلسطيني، وتُجسّد آلامها بواقع ينبثق منه نور الأمل المتجدد، وذلك من خلال ألحانها الإبداعية باستخدام لهجة مقدسية متميزة مستمدة من رمزية أسوار القدس".
تأسست فرقة مزاج الشبابية في القدس في العام 2014، إذ تُلحَّن المقطوعات الموسيقية للفرقة، وتُوزَّع جماعيًّا من عازفيها الخمسة، بالإضافة إلى بلاطة، تضم الفرقة: مرال خوري (قانون)، وأسامة أبو عرفة (عود)، ومحمد غوشة (كمان)، وعبد السلام صباح (إيقاع).
ومن ضمن ما أنتجته الفرقة في ألبوم رحلة، مقطوعة "رابسودي غزة"، التي تُجسّد المعاناة والحصار والحرب على غزة، إذ تحتوي على ألحان ومقامات ترمز لأسلوب الحياة من حزن وأمل ورثاء ورقصة النصر.
ويعد الـ"رابسودي"، وفق بلاطة، نمطًا أو شكلًا موسيقيًّا لمقطوعة منفرة ذي عدة فصول، كل جزء له فكرة موسيقية وحالة تعبيرية مختلفة، توزع المقطوعة لاحقًا للأوركسترا السيمفونية لإيصال رسالة فلسطين للخارج، وتعرض في ألمانيا من العديد من الأوركسترات.
ويوضح أن ألبوم رحلة يضم أيضًا مقطوعة "روندو" قلنديا، والتي تتحدث عن أحد المعابر الرئيسة من مدينة رام الله إلى القدس، وفيها تجسد الموسيقى زحمة المرور ومعاناة الانتظار، وتضم عناصر وتفاصيل على المعبر مثل بائع العلكة، وتجاوز السيارات والايقاعات الغير متنبأ بها.
ويشير بلاطة إلى أن "مزاج" شاركت عبر فيديو كليب مقطوعة "روندو" قلنديا بمسابقة الموسيقيين الفلسطينيين في عام 2020م، لتفوز بالمرتبة الثانية من أصل المئات من المشاركين.
انصهار موسيقي
ويلفت إلى أنه إضافة إلى المقطوعات الخاصة بفرقة مزاج، تقوم الفرقة بأداء المقطوعات التراثية العربية بتوزيعات حديثة بلكنة تنصهر فيها الأنماط الشرقية والغربية لتخلق موسيقى تجذب شريحة كبيرة من الجمهور.
ويذكر عازف البيانو أن الفرقة قدمت عروضًا فنية متميزة في أهم المهرجانات في فلسطين، منها: مهرجان ليالي الطرب في قدس العرب، ومهرجان الياسمين في رام الله، ومهرجان أيام شارع نابلس، وفعاليات رمضان بشوارع البلدة القديمة، ومهرجان أسبوع التراث في بيرزيت، ومهرجان وين عرام الله، إضافة إلى العديد من العروض خارج الوطن في أوروبا وتركيا.
مسيرة الفرقة لم تخلُ من معيقات وتحديات تواجه أي فرقة موسيقية فلسطينية، تهدف إلى تقديم مادة مهنية وأصيلة، منها الصعوبات السياسية والمادية، وعلى الرغم من ذلك تعمل الفرقة على المداومة في تقديم عروض المباشرة في الوطن والخارج، وتسجيل مقطوعات جديدة تنشرها على صفحاتها ومنصاتها الاجتماعية الإلكترونية، إضافة إلى تحضير جولة عروضها في السنة المقبلة؛ احتفالًا بيوبيلها العاشر، وفق بلاطة.
ويختم حديثه: "تؤمن فرقة مزاج بأهمية الموسيقى في إيصال معاناة الشعب الفلسطيني من خلال لغة الموسيقى، عندما تتعطلُ لغةُ الكلامِ تكونُ الموسيقى غذاء للروح المتجددة الباحثة عن الحقيقة وعن الحياة والسلام، وعندما يسكن الليل تختبئ في ثوب سكونه الأحلام والأمنيات، وهكذا فرقة مزاج المقدسية".