خطوة مهمة، ما في ذلك شك، في توقيتها وفي رمزيتها، وربما تداعياتها مستقبلا، تلك التي أقدمت عليها القمة الإفريقية في دورتها السادسة والثلاثين التي اختتمت أشغالها نهاية الأسبوع الماضي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بطرد ممثلة (تل أبيب) من حضور أشغال القمة بصفتها عضوا مراقبا، وقد أكد مجلس القمة أنه لم يدعها، وأن هناك تحقيقا جاريا لفضح ملابسات التحاقها بالقمة ولا سيما أن عضوية الكيان الإسرائيلي عضوا مراقبا معلقة منذ أن اتخذ رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقيه قرارا بمنح (إسرائيل) هذه العضوية التي لا تستحقها.
وقد أقرت المتحدثة باسم رئيس المفوضية الإفريقية إيبا كالوندو، أنه لم توجّه للدبلوماسية الإسرائيلية أي دعوة لحضور الاجتماع، وهو الأمر الذي أغضب (تل أبيب) التي رفضت هذه الخطوة، وهي التي كانت تعول على البقاء داخل الاتحاد الإفريقي.
القرار الإفريقي يكتسي أهمية مضاعفة لعدة اعتبارات، منها أنه يأتي في ظل ذكرى تأسيس الاتحاد المغاربي الذي خرج من التاريخ والجغرافيا، ويأتي أيضا في غياب أي دور فاعل للجامعة العربية التي فشلت في كل الاختبارات.
وهو خطوة مهمة باعتبار أنه يتزامن مع الضغوط الأمريكية لإسقاط مشروع قرار إدانة الاستيطان في مجلس الأمن، وسحب المشروع الذي كان يفترض أن تقدمه الإمارات العضو غير الدائم أمس، وما أثاره ذلك من غضب شعبي فلسطيني إزاء التواطؤ المفضوح مع جرائم الاحتلال والانتصار للجلاد على حساب الضحية.
وهو مهم لأنه يمكن أن يكون منعرجا لتصحيح بوصلة الاتحاد الإفريقي الذي تضمن بيانه الختامي قرارين أساسيين: أولهما رفض الاعتراف بالانقلابات العسكرية وتعزيز مكانة الديمقراطية في القارة السمراء، والثاني يتعلق بالتمسك بموقفه بأن الاحتلال الإسرائيلي يظل نظام أبارتهايد عنصريًا ولا يمكن قبوله عضوًا مراقبًا في صفوفه. ولا شك أن لدولة جنوب إفريقيا ولأحفاد مانديلا دورا في هذه الخطوة نحو استعادة الاتحاد الإفريقي موقعه في مرحلة باتت كل أنظار القوى الدولية والإقليمية تتجه إلى القارة السمراء لتتنافس على موطئ قدم فيها بكل ما تمثله من موقع إستراتيجي وجسر بين القارات، وهي التي ستكون خلال سنوات سوقا بأكثر من مليون نسمة دون اعتبار لما تمتلكه من ثروات طبيعية وطاقات بديلة.
ولا شك أن هذه القارة التي تستقطب الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي تستقطب أيضا اهتمام (إسرائيل) الحليف الدائم لهؤلاء الأعضاء. ومن هنا كان الاختراق الحاصل وتسلل (إسرائيل) تحت عنوان امتلاك الخبرة والكفاءة في مجال التعليم والري والزراعة والتكنولوجيا والسلاح، لإغراء دول إفريقية بطريقة انطلقت باحتشام ولكنها اتسعت وباتت معلنة بعد أن شملت أربعة وأربعين بلدًا إفريقيًا بين خمسة وخمسين بلدًا، آخرها التشاد التي أقامت علاقات مع الكيان الإسرائيلي.
النقطة اللاحقة تتعلق بالحضور الفلسطيني في القمة الإفريقية وإلقاء كلمته في الوقت الذي كان يتم طرد ممثل الكيان الإسرائيلي، وهذا ليس من باب الشعبوية البغيضة التي لا تصنع البديل، ولا يمكن أن تغير الواقع الفلسطيني في شيء، ولكنها تبقى رسالة سياسية ودبلوماسية وإعلامية وقانونية مهمة مفادها أنه لا يمكن اختراق كل المنظمات، ولا يمكن الاستهانة ببعض القوى وبعض الأصوات عندما يتعلق الأمر بالظلم وبسقوط العدالة الدولية وتطويع القانون الدولي ليكون أداة في خدمة وبقاء وتفوق نظام عنصري يحظى بحماية ودعم القوى الدولية ليواصل ممارسة جرائمه اليومية من توسيع للاستيطان وتهويد للمقدسات وتشريد للأجيال واغتيال وقتل للنساء والأطفال وهدم للبيوت وحرق للشجر.
النقطة التالية أن منع ممثل سلطة الاحتلال من حضور أشغال قمة أديس أبابا كان بجهود جوهانسبرغ ومعها الجزائر و دول إفريقية تحركت قبل القمة بشكل مكثف لمحاصرة الامتداد الإسرائيلي في الاتحاد الإفريقي، وقد كان من الطبيعي أن تتجه جنوب إفريقيا مهد الزعيم الإفريقي الراحل نيلسون مانديلا الذي قضى أكثر من ربع قرن في سجون نظام الأبارتهايد في جنوب إفريقيا التي امتهنت حقوق الأغلبية من السود في الحياة والكرامة والمساواة والحرية، وكان موقف حزب المؤتمر الإفريقي واضحا وصريحا في دعمه للشعب الفلسطيني ولحقه في الحرية، والأرجح أن الكيان الإسرائيلي كان يعول قبل طرد ممثلته على تصويت يخترق الاتحاد الإفريقي ويكشف الانقسام الحاصل بين أعضائه في هذا الشأن، ولا سيما في ظل مسارالتطبيع الذي مزق القارة.
أخيرا وليس آخرا فقد أقر الاتحاد الإفريقي إجراء تحقيق دولي في اغتيال شيرين أبو عاقلة لكشف أطوار الجريمة والأهم محاسبة الأطراف المتورطة في الاغتيال.
وربما سيكون الأهم أن يعود التصويت الإفريقي إلى ما كان عليه في دعم القضايا الإفريقية والعربية، وتحديدا القضية الفلسطينية في جميع المنابر الأممية، وربما العودة إلى صوت إفريقيا الداعم دوما للحق الفلسطيني قبل أن يصيبه داء التطبيع والتسويف.