فلسطين أون لاين

الأرملة.. "صرخة روائية" تصور المرأة العربية بين حياتين

...
القدس المحتلة-غزة/ هدى الدلو:

تواجه الأرامل في المجتمعات العربية كافة تحديات كبيرة على المستوى الإنساني والاجتماعي، تفقدها الكثير من حقوقها المكفولة دينًا وقانونًا، ووجد أديبان مقدسيان في قضاياها الشائكة مساحة روائية تلقي الضوء على الظلم الذي تعيشه في مجتمع يوصف بـ"الذكورية"، ومن بنات جنسها أيضًا.

تعالج رواية "الأرملة" للكاتبين جميل السلحوت وديمة السمان موضوع الترمّل لدى النساء وما يعترضهنّ من صعوبات وعوائق، وتحديداً النظرة للأرملة من الذين يحيطون بها، وكثرة الهمز واللمز كلّما مرّت مطلّقة أو أرملة، لأنّها وبحسب ما ترسّخ في العقول القاصرة "صارت مشاعًا" وكأنّ الذي كان يردعها ويدفعها لاحترام كيانها وإنسانيّتها اسم رجل تُلحَق به فقط.

يتحدث السلحوت المولود عام 1949 في جبل المكبر القدس، لصحيفة "فلسطين" بأنه كإنسان ينحاز للمرأة ولحقوقها المشروعة في كل كتاباته، "ولا أجد غرابة في ذلك لأني ابن امرأة وحفيد امرأة، وشقيق امرأة، وزوج امرأة، وأب امرأة، وزميل وصديق لنساء كثيرات".

ويقول: إن الدافع لكتابة تلك الرواية، هو "الظلم اللاحق بالمرأة في مجتمعاتنا الذّكوريّة، فقد شرعت في كتابة سلسلة روائيّة تفضح الثّقافة الشّعبيّة التي تضطهد المرأة، ومما كتبته رواية الخاصرة الرّخوة، والمطلّقة، اليتيمة، وأكتب الآن رواية العاقر".

وتمثل الرواية، وفق السمان، صرخة للعالم العربي أجمع، بأن "الأرملة إنسانه لها حقوق وعلى الجميع أن يحترمها، ويأخذ بيدها لتتجاوز التحديات، لتأخذ دورها كأي فرد فاعل في المجتمع".

والسمان روائية وناشطة فلسطينية، مقدسية النشأة، صدر لها العديد من الأعمال الأدبية التي تلقي الضوء على الواقع الفلسطيني وتوثق تراثه وتؤنسن قضيّته.

تكتب السمان بالعادة عن قضية القدس، لإيمانها بأهمية دور الأديب في كتابة وتوثيق ما لا يكتبه التاريخ، خاصة في ظل محاولات الاحتلال الإسرائيلي تزوير وسرقة تراث وهوية المدينة المقدسة.

وبعد مناقشات مطولة مع زميلها السلحوت، وافقت على المشاركة في كتابة العمل، "لأن المرأة هي أكثر فهمًا لقضاياها وتستطيع أن تعبر عنها أكثر من الرجل مهما أبدا من تعاطف".

مصير واحد

تدور أحداث الرواية في القدس حول أرملتين، الأولى كانت تعيش حياة هانئة مع زوجها، والثانية كانت تعيش حياة بائسة مع زوجها، إلا أن الأرملتين واجهتا المصير ذاته. كانت النظرة لها نظرة غير مرضية من الجنسين، إما نظرة شفقة جارحة تشعرها بعجزها، وإما نظرة تقطر شكا بأنها أصبحت أشبه بالمصيدة للرجال. ولم يتم أخذ وضعها النفسي والاجتماعي والإنساني بعين الاعتبار.

ويشير السلحوت إلى الرّواية تطرح من خلال السّرد الرّوائيّ نظرة المجتمع السّلبيّة للأرملة بطريقة مقزّزة ومنفّرة، ليقف القارئ على همجيّة النّظرة المجتمعيّة للمرأة الأرملة، وليتعاطف معها، وليقف ضدّ هذه الثّقافة السّلبية في نظرتها للمرأة الأرملة.

وقد قسم الكاتبان الرواية التي بلغ عدد صفحاتها 228 صفحة إلى ثلاثة أجزاء بشخصيتين مستعارتين هما: "وردة" للجزء الأول وهي أرملة كانت تعيش مع زوجها حياة هنيئة، وقد انهارت عندما تلقت خبر وفاة زوجها بالجلطة القلبية، و"ندى" للجزء الثاني فهي الأرملة التي كانت تعيش مع زوجها حياة بائسة، لدرجة أنها كانت على استعداد أن تضع لزوجها السم لتقتله وتنقذ ابنتها براء، إذ قرر أن يزوجها من رجل ستيني وهي لا تزال شابة بعمر العشرين، واجتمعتا في الجزء الثالث لإظهار الظروف التي واجهت المرأة الأرملة في المجتمع، ومعاناة كلّ منهما من نظرة المجتمع السّلبيّة للأرملة.

البنية الروائية

ويوضح السلحوت أن الرواية اعتمدت على السرد الروائي المكتمل والذي يتشعب لقصص وأحداث تعانيه أرملتان، وأحداثها تدور في القدس وضواحيها كنموذج للمرأة الفلسطينيّة وما تعانيه.

وتؤمن السلحوت بأهمية الروايات الاجتماعية، كون الشعب الفلسطيني ثقافته وتربيته ذكوريّة مثله مثل بقيّة الشّعوب الشّرقيّة، "والمرأة الفلسطينيّة خاصة تعاني مثل الرّجل إن لم يكن أكثر، ومن حقهّا أنّ تعيش كإنسانة لها حقوق وعليها واجبات".

وتحمل الرواية رسالة للقارئ وللمجتمع أنّ الأرملة إنسانة مثل غيرها من النّساء، لكنّ معاناتها قد تكون أكثر من غيرها، خصوصًا إذا كانت أُمًّا ولديها أطفال، وعلى المجتمع أن يحترم إنسانيّة وحقوق هذه المرأة، كأن تتزوّج إذا أرادت ذلك.

وتشير إلى أن الرواية تمثل دعوة للمرأة الفاقدة لزوجها بأن تواجه التحديات وتمارس حياتها الطبيعية بعيدًا عن صعوباتها، وأن عليها أن تتحلى بالقوة والصبر والصمود لتجاوز المشاكل اليومية، والتأقلم مع الحياة الجديدة لتتمكن من مواجهة الظروف القاسية وحمل المسؤوليات التي تقع على عاتقها.

ويوجه الكاتبان نصيحة للمرأة الأرملة بتجديد حياتها وخوض تجربة جديدة بالزواج في حال توفرت لها الفرصة، "واقتنعت بالفكرة وليس للهرب من لقب الأرملة ونظرة المجتمع"، لافتين إلى أن العامل الاقتصادي يلعب دورا في إقدام المرأة على الزواج الثاني لأسباب مادية ولتجاوز ظروف الحياة.