وجَّهت حكومة الاحتلال الإسرائيلي المتطرفة صفعة جديدة للسلطة في رام الله، عشية قرارها بعدم التوجه لمجلس الأمن لإدانة الاستيطان، بتنفيذ مجزرة "مكتملة الأركان" في مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية المحتلة، ارتقى فيها 11 شهيدًا، وأُصيب أكثر من 100 مواطن آخرين.
واقتحمت قوّة من وحدة "اليمام" التابعة لجيش الاحتلال حي القصبة في مدينة نابلس لاعتقال مطلوبين، حسب ما زعمت القناة "14" العبرية، ما أدى إلى وقوع اشتباكات عنيفة بين عناصر من المقاومة وقوات الاحتلال.
ومطلع الأسبوع الجاري، كشفت وسائل إعلام عبرية، عن تفاهمات حصلت بين السلطة و(إسرائيل)، نصت على امتناع السلطة عن التوجه لمجلس الأمن لإدانة الاستيطان مقابل "تسهيلات" إسرائيلية.
كما نصّت التفاهمات وفق موقع "واللا نيوز" العبري، على التزام (إسرائيل) تجميدها عدة أشهر خطط البناء الإضافية في المستوطنات، وهدم منازل الفلسطينيين في الضفة الغربية وشرقي القدس، إضافة إلى تقليل عمليات الاقتحام الإسرائيلية للمدن الفلسطينية.
ضربة قاسية
ورأى الناشط السياسي خالد منصور، أن مجزرة نابلس مثَّلت ضربة قوية لرئيس السلطة محمود عباس الذي تعهد بالالتزام بالتفاهمات وسحب في إثرها إدانة الاستيطان من مجلس الأمن.
وقال منصور لصحيفة "فلسطين"، إن جريمة الاحتلال ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، طالما بقيت قواته طليقة وتمارس القوة والبطش ضد الشعب الفلسطيني، واصفًا إياها بـ "البشعة والوحشية".
وأوضح أن هذه الجريمة مكتملة الأركان، أراد الاحتلال بها القضاء على مجموعات المقاومة المسلحة، مضيفًا: "يعتقد ما يسمى وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير أنه بالقوة والبطش يُمكن القضاء على الشعب الفلسطيني".
وتابع: "الجريمة ليست غريبة على الاحتلال، لكن الغريب هو تصديق قيادة السلطة للإدارة الأمريكية ورعايتها للاتفاق مع الاحتلال، بالرغم من انحيازها الكامل لـ(إسرائيل) على مدار السنوات الطويلة الماضية".
وانتقد الناشط الفلسطيني، استمرار مراهنة السلطة على الإدارة الأمريكية وسعيها للجم (إسرائيل) بوقف جرائمها ضد الفلسطينيين، مشددًا على أن "هدف الولايات المتحدة عدم الكشف عن الوجه الحقيقي لها ودعمها للاحتلال المجرم".
وبحسب منصور، فإن السلطة أخطأت مرّة أخرى باللهث خلف سراب الحلول الأمريكية والمراهنة الخاسرة عليها، لافتًا إلى أن الاحتلال أراد تولي المهمة التي أوكلها سابقًا للسلطة وهي القضاء على المقاومة.
ودعا السلطة لأخذ العبر والدروس والتوقف عن الشجب والاستنكار عبر التحرك الفعلي على أرض الواقع بمغادرة مربع الالتزام باتفاقية أوسلو، وتطبيق قرارات المجلسين المركزي والوطني بوقف التنسيق الأمني، وسحب الاعتراف بـ(إسرائيل)، مطالبًا بضرورة إنهاء الخلافات السياسية وتحقيق المصالحة الوطنية.
وختم منصور حديثه "يجب على عباس أن يقرأ الخارطة الإسرائيلية جيدًا، لأن هدف الاحتلال والإدارة الأمريكية هو شطب القضية الفلسطينية، وإبقاء السلطة ضعيفة ومجرد وكيل أمني فقط".
أداة أمنية
من جانبه، انتقد الكاتب والمحلل السياسي عدنان الصباح، موافقة السلطة على التفاهمات مع الاحتلال برعاية أمريكية، خاصة أن لها تجربة طويلة ومريرة على مدار سنوات طويلة ولم تحقق أي إنجازات فعلية للشعب الفلسطيني.
وقال الصباح لصحيفة "فلسطين"، إن التفاهمات الأخيرة جاءت لـ"ذر الرماد في العيون"، ولا سيما أن كل التفاهمات السابقة كانت لمصلحة الاحتلال على حساب الشعب الفلسطيني.
وعدّ التفاهمات "ضربة قاسية من الاحتلال للسلطة" لكونه يريدها "أداة أمنية بيده" تخدم مصالحه فقط، مضيفًا: أن "الإدارة الأمريكية التي نصّبت نفسها راعية للتفاهمات لم تُعلق على مجزرة نابلس أو تعدها اختراقًا، ما يدلل على أنها تنحاز بالكامل لـ(إسرائيل)".
ودعا السلطة للتوجه نحو شعبها والالتحام مع المقاومة، لأنها ستكون هي المطلوبة والمستهدفة من الاحتلال في المرحلة القادمة، مشددًا على أن "مجازر الاحتلال وجرائمه هدفها الأساسي تهويد الأرض وطرد الفلسطينيين وتحويلها إلى يهودية".
وأضاف: "على السلطة أن تدرك أن دماء الشهداء وتنغيص الحياة اليومية هي حقائق مهمة للالتفاف حول المقاومة، ولا بديل عن هذا الخيار على قاعدة الحرية والتحرير".
وعدَّ الصباح أن المرحلة الراهنة "فرصة ذهبية" للشعب الفلسطيني عبر استثمار حالة الفوضى والارتباك التي تعيشها دولة الاحتلال، مطالبًا السلطة بالوقوف لجانب المقاومة في مواجهة الاحتلال الذي يسعى لجعلها أداة بيده والولايات المتحدة.
وكانت القناة (12) العبرية، قالت إن عملية جيش الاحتلال في نابلس مثّلت صفعة للتفاهمات الأخيرة التي أبرمت مع السلطة حول تهدئة الأوضاع مقابل عدم التوجه لمجلس الأمن لإدانة الاستيطان.
وذكرت القناة أن "العملية مثّلت ضربة لمساعي تهدئة الأوضاع الأمنية على الأرض"، إذ تسببت بعدد من الشهداء والإصابات لم يسبق له مثيل منذ انتفاضة الأقصى، في هذه المرحلة من السنة.