نعود للتاريخ كي نتعلم، ونتعظ، ونأخذ العبر، والتاريخ الفلسطيني خزان مليء بالأحداث والأسرار، التي تفضح التآمر الصهيوني على الأرض والإنسان الفلسطينيين، ويكشف لنا التاريخ عن الفكر الصهيوني الذي يسير وفق خطة، ويعمل على تمريرها بالقوة أو بالحيلة.
وبالعودة إلى الوثائق التاريخية المتعلقة بالقضية الفلسطينية نكتشف أن اتفاقية "رودس" اتفاقية الهدنة الموقعة في جزيرة رودس، قبل 74 سنة، في 24 فبراير1949 بين مصر و(إسرائيل)، تلك الاتفاقية التي مكنت (إسرائيل) من احتلال مساحة 5000 كيلو متر مربع من جنوب فلسطين، لم يكن يقيم على تلك الأرض أكثر من 300 مسلح إسرائيلي، في عدد 11 مستوطنة، لم تبن إلا قبل سنة ونصف السنة من طرد وتهجير 200,000 فلسطيني، كانوا يسكنون عشرات القرى والمدن، وهؤلاء هم الذين هُجّروا إلى قطاع غزة سنة 1948، وصاروا لاجئين، انضموا إلى 80,000 من سكان قطاع غزة المواطنين.
لم يوقع اليهود على اتفاقية الهدنة في جزيرة "رودس" إلا بعد أن حققوا أطماعهم، فهم لم يخوضوا إلا معارك محدودة مع الجيش المصري، ولم يتعرضوا إلا لعدد قليل من الخسائر البشرية، ولكنها حصلوا على مكاسب مهولة من الأرض، في الوقت الذي خسر فيه العرب المزيد من الأرض والأرواح.
اتفاقية رودس تذكرنا بجملة الاتفاقيات الموقعة مع عدو العرب، بما في ذلك اتفاقية كامب ديفيد مع مصر، واتفاقية وادي عربة مع الأردن، واتفاقية أوسلو مع قيادة منظمة التحرير، تلك الاتفاقية التي وضعت الأرض الفلسطينية بكاملها تحت "السيادة" الإسرائيلية، ووضعت الأمن الفلسطيني بيد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ووضعت الاقتصاد الفلسطيني بيد وزارة المالية الإسرائيلية، ووضعت مستقبل الشعب الفلسطيني برمته على طاولة المفاوضات التي يتحكم بمساحتها وموعد انعقادها عدوهم الإسرائيلي، ليقعد الفلسطينيون منذ سنة 1993، وحتى يومنا هذا على قارعة الطريق السياسية ينتظرون تفضل عدوهم عليهم ببعض المال، وبعض الأمن، وبعض الأمل بإمكانية قيام دولة، لم تعترف بها (إسرائيل) يوماً، وإنما اعترفت بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً، ووحيداً للشعب الفلسطيني.
وإذا كانت اتفاقية "رودس" قد أعطت لـ(إسرائيل) مساحة 5000 كليو متر مربع من أرض فلسطين، فإن اتفاقية أوسلو قد ضمنت لـ(إسرائيل) مساحة 60% من أرض الضفة الغربية، محط التوسع الاستيطاني، ومحور أطماع الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، التي تسعى إلى ترتيب الوضع القانوني الجديد لدولة الصهاينة، كبداية لترتيب الوضع القانوني لأرض الضفة الغربية.
ورغم مرور 74 سنة، فليس من الصعب أن نشطب بالمقاومة اتفاقية "رودس"، لنفرض معادلة فلسطينية جديدة، ورغم مرور 30 سنة، فليس من المستحيل أن نلغي اتفاقية أوسلو، لنبدأ بالمقاومة صفحة جديدة من تاريخ الأرض الفلسطينية.