لم تكن السجون في يوم من الأيام تمرّ أيامها دون قمع وقهر وتنكيل، أصلًا هي جُعلت لهذه الأهداف، وكي تكون عقوبة رادعة لكل من عمل ضد الاحتلال ولمن خلفهم من الناس الذين يفكّرون بمواجهة الاحتلال وعدم الانصياع لسياساته الاحتلالية البغيضة، أمّا السياسة الجديدة التي يريدها هذا المعتوه الذي صار وزير دولة "بن غفير" فهي إن دلّت فإنها تدلّ على أن هذا الاحتلال بعقليته المتغطرسة وروحه الشريرة المتوحّشة لا يستخلص العبر كما يدّعون ولا يستفيد من تجاربه المريرة معنا ولا سيما أسرانا، يبني سياسته على مركب العدوان والبحث عن فنون الإجرام وصنوف القهر وقتل روح الانسان فينا، وهو بذلك لا يحسب حسابًا لشيء إلا شيئًا واحدًا وهو: ماذا يترتّب على ذلك من خسارة؟
هذه هي المعادلة إذًا التي يجب أن نعيها جيدًا، ماذا عليه أن يخسر مقابل عدوانه وجرائمه في حق أسرانا؟ وهل علينا أن ننتظر ماذا عساه أن يفعل في أسرانا ثم نذهب لردّ الفعل الذي في أحسن حالاته سيعيد الأمور الى ما كانت عليه، وبهذا نكون قد سرنا في سراديبه السوداء كالقصة المعروفة عندما طالب أحد الناس توسعة بيته فحشروا معه العنزة والحمار والبقرة ثم عندما تراجعوا قليلًا وأخرجوا العنزة ظنّوا أنهم قد حققوا إنجازًا وانتصروا.
الأسرى هم أكثر الناس وعيًا بعقلية هذا الاحتلال، يعرفون تمامًا كيف يفكّر وكيف يدير المعركة سواء كان ذلك خارج السجن أو داخله، هم يقظون وحذرون ويعرفون من أين تُؤكل الكتف، لذلك لم ينتظروا طويلًا ليجرّب هذا المعتوه وهذه الحكومة المتطرفة أسلحتهم ثم يردّوا عليه بل كانت جاهزيتهم حاضرة، توحّدوا ورسموا قواعد الاشتباك الجديدة جيّدًا وبدأت رسائلهم تصل جيّدًا، وكان شعارهم الكرامة أو الشهادة، وهذا يدلّ كم يحمل هذا الشعار من دلالات عظيمة باتوا يتمترسون في خنادقها بكل ما أوتوا من قوّة، الكرامة تعرفهم جيدًا أنهم أسرى حرية وأصحاب قضية وأنهم محاربون حتى النهاية من أجل هذه القضية.
والأسرى يدركون جيّدًا الأوراق التي بيدهم، يدركون نقاط قوّتهم ونقاط ضعف عدوّهم، ويعرفون كيف يضربون بنقاط قوّتهم نقاط ضعف عدوّهم، فمثلًا: الأسرى لا يوجد لديهم ما يخسرونه إلا بعض الاستحقاقات التي حصلوا عليها بنضالات طويلة، السجّان يخسر مقابل هذه أضعافًا مضاعفة، فأن لا يتمكّن السجان من أخذ إجازة مثلًا نتيجة حالة التوتر والطوارئ في السجن تعني له كثيرًا، حالة الخوف من العنف وتعرّض السجان له بشكل مفاجئ تجعله يعيش الرعب والقلق على مدار الأربع وعشرين ساعة، ثم تدحرج الأمور لتصل إلى الإضراب المفتوح خاصة وشهر رمضان على الأبواب سيمثل رعبًا للمحتل داخل السجن وخارجه، هم يتخوّفون من شهر رمضان دون دخول الأسرى معادلة هذا الشهر فكيف إذا كانت السجون مشتعلة، واشتعل الشارع الفلسطيني، هذه مجرّد أمثلة لما يملكه الأسرى من قدرات على الفعل والتأثير، وفي تاريخنا القريب ما يؤكد هذه القدرة العالية على قلب السحر على الساحر.
أتوقع أن على الأسرى أن يرفعوا من سقف مطالبهم وأن يطالبوا شعبهم بكل مكوناته أن يعمل على تحريرهم، فالإسرائيلي المتطرف المجرم يريد أن ينتزع حقوقهم وأن يمسّ بكرامتهم وهم قد طال عليهم الأمد في السجون بشكل غير معقول أبدًا حتى تجاوز بعضهم الثلاثة عقود والأربعة، لقد آن الأوان أن يرتفع السقف للضغط بكل السُبل وأن يكون بكل ثقّة واقتدار هو تحرير الأسرى، أمّا عن كيف فهذه متروكة لكلّ أن يجتهد وفق رؤيته السياسية والأخلاقية تجاه أسرانا، في حين الأوضاع المعيشية التي يستهدفها هذا المعتوه فإنها هامش من هوامش المعركة.