فلسطين أون لاين

بن غفير.. بين الطموح اليميني وواقعية التحديات

...
محمد أبو عون
محمد عوني أبوعون

من جديد، عاد المتطرف اليميني إيتمار بن غفير الذي يشغل وزارة الأمن الداخلي الصهيونية إلى واجهة الأحداث، وذلك عبر مجموعة من التصريحات والتهديدات المبعثرة بمعاقبة منفذي العمليات في القدس وذويهم وزيادة التضييق عليهم من خلال عملية حاسمة وقاسية أطلق عليها اسم "السور الواقي2" متمسحا باسم عملية السور الواقي الأولى التي نفذها أريئيل شارون ضد مدن وقرى الضفة الغربية في أواخر مارس من عام 2002م.

يعيش بن غفير اليوم حالة من الاهتزاز والتراجع المعنوي، إذ أنه ومن خلال موقعه كوزير الأمن الداخلي فشل في تحقيق هذا الأمن، بل شهدت فترته التي لم تتجاوز الشهرين معدلا هو الأعلى في الأعوام الأخيرة في أعداد القتلى الصهاينة، هذه الحالة لم تأتي اعتباطيا، وانما جاءت انعكاسا لحالة التطرف وبذر العنصرية التي تمارسها شخصيات يمينية متطرفة ذات خلفيات كهانية مثل بن غفير وشريكه في حزب الصهيونية الدينية بتسليئيل سموتريتش.

من الواضح أن هذه الخلفية اليمينية المتطرفة لبن غفير هي ما تشكل اليوم جوهر توجهاته والتي تقوم عمليا على فكرة طرد الشعب الفلسطيني، ووجوب التخلص بكل وسيلة ممكنة. لكن هذه المنطلقات لم تكن لتنجح لولا أنها التقت مع فرصة ذهبية تمثلت في حاجة نتنياهو إلى بناء ائتلافه الهش، وانقياده خلف عتاة التطرف واشتراطاتهم ليستعيد مكانته كرئيس وزراء للكيان.

بالنظر عميقا قد نرى شكلا مختلفا للأحداث، فبالرغم من أن نتنياهو ينساق حاليا خلف التوجهات اليمينية لبن غفير، إلى أنه فعليا يقوم بحرق أوراق بن غفير أيضا، ويضعه في مواجهة مع الجميع من أهالي القدس والأسرى وحتى مع المجتمع الإسرائيلي الذي أضحى اليوم يحمل بن غفير المسؤولية عن حالة التصعيد الجارية، كل هذا الدعم من نتنياهو وحكومته لا ينظر إليه بأنه بريء وعفوي، بل إنه يأتي ضمن سياسة يتبعها نتنياهو لمزيد من إغراق بن غفير.

هذه الاستراتيجية استخدمها نتنياهو عدة مرات ونجحت بكفاءة عالية في تحييد منافسيه وإضعاف حضورهم السياسي، بدءا من موشيه كحلون زعيم حزب كولانا، ومن بعده يائير لابيد زعيم يش عتيد الذين وضعهم على رأس وزارة المالية التي كانت حينها تعيش حالة من الصدام مع التيارات الدينية في قضية الموازنات المخصصة للمدارس الدينية والمتدينين، ثم قام بحرق كل من أفيغدور ليبرمان ونفتالي بينيت في وزارة الحرب وأظهر ضعفهم وأنهم ليسوا سوى أبواقا للشعارات الفارغة.

لا يبدو أن بن غفير يعيش أفضل حالاته لتنفيذ هكذا مخطط بحجم عملية "سور واقي"، فالتحدي لم يعد بينه وبين الفلسطينيين فقط، بل نرى اليوم أن حدة الخلافات قد طالت بيته الصغير المتمثل في وزارة الأمن الداخلي، وحالة الشقاق التي انفجرت بينه وبين مفوض شرطته يعقوب شبتاي الذي صرح علانية بأنه لا يتوافق مع قرارات بن غفير، وسعي الأخير إلى بناء لجنة استشارية من الجنرالات لتمرير سياساته في الوزارة وتجاوز عقبة شبتاي.

وبين الضغوط الداخلية والخارجية على بن غفير؛ جاء الانتقاد الأمريكي ليشكل عنصرا ضاغطا آخر على سياسة بن غفير وتوجهاته العنصرية ليفقد بذلك جميع عناصر الدعم، اللهم إلا من الاحتضان الشكلي الذي تبديه حكومة نتنياهو ووزرائها، والذي كما أسلفنا لا يبدو بريئا.

تمثل دعوة بن غفير اليوم لعملية عسكرية واسعة بهذا التسرع والرعونة مقامرة غير محسوبة، ومن وجهة النظر فهي محكومة بالفشل حتى قبل أن تدور عجلتها بالنظر إلى حجم التحديات والعقبات التي تواجهها من جميع الاتجاهات، إضافة إلى تصاعد حالة المقاومة والعمليات الفردية في القدس، وقد يدفع بن غفير ثمن هذه المغامرة غاليا بشكل قد ينهي مشواره السياسي في خطواته الأولى.

المصدر / فلسطين أون لاين