قائمة الموقع

​في أسماء الأبناء.. هل يمكن الجمع بين جمال اللفظ والمعنى؟

2016-12-07T07:48:07+02:00
صورة تعبيرية

"قم يرحمك الله، قم يرحمك الله، لقد عققته قبل أن يعقك".. بهذا العبارة المختصرة والقاسية ردّ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب على رجل جاء يشكو عقوق ابنه، فعاتب الابن، ولكن الابن سأله: "وما حق الولد على والده يا أمير المؤمنين؟ " فرد عليه: "أن يختار أمه، وأن يختار اسمه وأن يعلمه أمور دينه ويحفظه القرآن "، فقال الابن: "يا أمير المؤمنين إن أبي هذا لم يختر لي أمًا فأمي زنجية, ولم يختر لي اسماً فقد اسماني جعلًا، ولم يعلمني أو يحفظني شيئاً من القرآن"، وهنا بدت علامات الغضب على أمير المؤمنين واتهم الأب بالعقوق..

تلك قصة معروفة في التاريخ الإسلامي، ومنها نأخذ اسم الابن "جعلا"، والذي يعني "خنفساء"، لم يكن الاسم مقبولاً لكونه يحمل اسم حشرة، ولذا كان الأب الذي اختاره عاقًا بنظر أمير المؤمنين، مما يشير إلى أهمية اختيار أسماء الأبناء، والتفكير في علاقتهم بها لاحقاً، ولذا نجد بعض الآباء والأمهات يحرصون بشدة على معاني أسماء أبنائهم وليس جمال لفظها فقط..

القوة نصيبه

قبل عدة أشهر من قدوم ابنه الأول، اعتقل الاحتلال "باسم نزال"، وبسبب هذا الاعتقال وأجواء الانتفاضة في ذلك الوقت، اختارت زوجته وأخواته اسم "سلاح" للمولود القادم، وعندما عرف بالاسم وهو في أسره نال إعجابه لكون السلاح رمزا للقوة، وتمنى أن يكون ابنه قويا بقدر اسمه.

ويقول لـ"فلسطين": "عندما أطلق الاسم على ابني عام 1992 لم يكن الاسم منتشرًا، ولكنه حاليا بات معروفا ومستخدما إلى حد ما"، مضيفا: "منذ طفولته أحب الاسم، خاصة مع ما تلقاه من توضيح عن الاسم ومعناه".

ويتابع: "أؤمن بأن لكل شخص نصيبا من اسمه، وهذا ما أراه في ابني، فالقوة جزء أساسي من صفاته وشخصيته".

ويرى نزال أن الاهتمام بأن يكون للاسم معنى أمر مهم جدا، وأنه يجب أن يكون عربيا، مبينا: "لغتنا العربية أوسع لغة، وبالتالي فهي غير عاجزة عن إيجاد أسماء جميلة وذات معنى".

ولغرابة الاسم، كان لا بد من مواقف تعرض لها "سلاح"، منها ما حدث في السجن أثناء زيارة الابن لأبيه في فترة اعتقاله، إذ توجه الطفل ذو الأربع سنوات، آنذاك، مع جدته للسجن، ولما طلبت الجدة إدخال "سلاح" إلى أبيه، رد الضابط مذهولا: "نعم يا حجة!!"، فتأخر دخول لقاء الابن والأب لوقت قصير حتى تم توضيح الأمر.

وجدته أخيرًا

أما "آلاء مهد" فكانت حريصة على إيجاد اسم مميز لابنتها، ومع ذلك كانت ترفض تماما الأسماء الجديدة التي لها وقع رنان على الأذن وجميلة في لفظها ولكنها بلا معنى وغير عربية، وكان جمال الاسم من وجهة نظرها يقوم على ثلاث قواعد، هي قصر الاسم بحيث لا يزيد على ثلاثة أحرف، وأن يكون لفظه لطيفا، مع أهمية أن يكون عربيًا ذا معنى جيد.

وتبين في حديثها لـ"فلسطين" أنها أثناء تصفحها للإنترنت مرّت ببيت شعر في مطلعه: "أهلا بقوم صالحين ذوي تُقى"، ولما قرأته أعجبها لفظ كلمة "تُقى"، فبحثت في معناها، موضحة: "وجدت أن الاسم يحمل معاني الخشوع والخشية من الله، وسمعت أن لكل واحد من اسمه نصيبا، فتمنيت أن تحمل ابنتي هذه الصفات".

وتشير إلى أن ابنتها ذات الأربع سنوات عندما تسمع الأسماء الجديدة والغريبة لزميلاتها في الروضة تشعر بأنها اسمها مختلف وثقيل وتطلب تغييره، وأحيانا تسألني لماذا لم تسميني تالا أو نادين، وتطلب أن أناديها "توتا".

وترى أن اختيار اسم عربي يجمع بين الجمال والمعنى الجيد أمر ممكن تماما، وأن الاسم إن كان غير مقبول في لفظه ولكنه جميل في معناه، أفضل من أن يكون وقعه على الأذن جميلا ولكنه فارغ بلا معنى، مشيرة إلى قناعتها بضرورة الاهتمام باختيار أسماء الأبناء، لأن الآباء سيحاسبون عليها.

انعكاسٌ لتفكير الأهل

ويقول الأخصائي النفسي زهير ملاخة إن طبيعة اختيار الأبوين لأسماء الأبناء تدل على بعض صفاتهم النفسية والعقلية، فتسمية الابن جزء من تفكير شخصية الأهل، وانعكاس لنظرتهم للأمور وطريقة تفكيرهم.

ويضيف لـ"فلسطين": "على سبيل المثال، من له انتماء للغة العربية الفصحى ويميل في قراءاته للأدب ومتأثر به جدا فاختياره للأسماء يكون نابعا من ميوله، وكذلك الشخص المهتم بالقوة يفضل الأسماء التي تحمل معاني ترمز للقوة، ومن يميل للطافة والعاطفة ويهتم بالجانب الاجتماعي يبحث عن اسم رقيق ومحبوب، وعلى هذه الشاكلة ينتقي كل فرد ما يرتبط بشخصيته وبالأشياء المعرفية التي تسيطر على عقله وتشكل طبيعة تفكيره".

ويتابع: "لا بد أن تحمل أسماء الأبناء معاني ودلالات جيدة، لكن مع مراعاة القبول الاجتماعي للاسم، ودوامه لكي يكون مقبولا في جيل الابن، وأن يتسم بالسلاسة وعدم الغرابة، وألا يحمل معنى أو وصفا سيئا، وأن يكون سهل النطق والتداول ولا يضعه في موضع سخرية، إلى جانب الانتباه إلى أن الحداثة وتغير العصور جزء من الواقع الذي لا بد من التماشي معه".

غرس المعنى باعتدال

ويلفت ملاخة إلى أن الاسم الذي سيرافق الابن طوال حياته سيؤثر عليه سلبا أو إيجابا بحسب معناه ودرجة تقبل المجتمع له ورضا الابن عنه، مبيناً: "على الأب أن يكون مدركاً أن من واجباته نحو ابنه أن يختار له اسما جيداً، فالاسم من أساسيات التفاعل الاجتماعي، لأن بعض الأسماء قد يكون منفراً أو صعباً في اللفظ، مما يعطيه شعورا بالنقمة عليه وعلى أهله".

أما إن كان الاسم جميلاً في لفظه ومعناه، ولكن رفضه الابن، فليبين له الأهل مواضع جمال اسمه، وما فيه من معانٍ إيجابية، وأن فيه إعلاء لقدره، وذلك من خلال أساليب جيدة في الإقناع ومخاطبة العواطف حتى يتأقلم مع اسمه، بحسب قول ملاخة.

ويشير إلى أنه في حال كان الاسم يحمل معنى جيدا وتقبله الابن، فقد يكون لمعناه انعكاس على شخصيته، كأن يكون المعنى يدل على الكرم فيكون حامله كريما، موضحا: "على الأهل أن يبينوا لابنهم المعنى الجيد لاسمه، ويغرسوا فيه القيمة التي يشير إليها الاسم، ولكن باعتدال، فمثلا إن كان الاسم يدل على القوة يعلمونه من خلاله الشجاعة دون الاعتداء على الآخرين".

اخبار ذات صلة