الهواء الطلق والطبيعة الجميلة جعلا إسراء قبها تختار "حديقة الوحدة" في نابلس كمكانٍ لعقد نشاطات لزملائها في كلية الطب، من أجل كسر الروتين والتقليد، والابتعاد عن غرف المحاضرات الجامعية المغلقة.
لاقى اختيار قبها التي ترأس اتحاد طلبة طب نابلس للحديقة كمكان للأنشطة التثقيفية ونقل الخبرات بين الأطباء القدماء والجدد استحسانًا بين زملائها، ضاعف من إقبالهم على الأنشطة بمجرّد علمهم أنها ستعقد في الحديقة.
وتبيّن "قبها" أن الهواء الطلق في المكان يعطي تغييرًا عن الأماكن التقليدية، وخروجًا من قالب المحاضرة التقليدية كما أن النمط القديم للبناء فيه يربط الجيل الشاب بالماضي الذي لم يشاهده، ويسمع عنه فقط من أجداده، ويعكس تاريخ وثقافة بلدنا فلسطين.
ورأت قبها في كون المكان ملكًا للطائفة السامرية ويفتح أبوابه للجميع تقاطعًا كبيرًا مع رسالة اتحاد الطب الذي يتعامل مع المنضوين تحت لوائه على أنهم أطباء فقط دون النظر لديانتهم أو غيرها من الأمور.
ولم يختلف الأمر كثيرًا لدى مدرّبة التطريز بيسان عصيدة التي اختارت الحديقة لعقد عددٍ من التدريبات لتعليم عدد من الفتيات للتطريز بما يمكنهن من افتتاح مشاريع صغيرة خاصة بهن مستقبلًا.
وتقول عصيدة: "نعقد بعض لقاءات التدريبات في الحديقة عندما يكون الجو صافيًا، فلمسنا تفاعلًا أكبر من المتدرّبات في المكان، وقد لاقت الفكرة إعجابهن كثيرًا".
وتبيّن أن كون المكان تابعًا للطائفة السامرية ويفتح ذراعيه للمسلمين والمسيحيين هو تجسيدٌ للتسامح الديني في نابلس، قائلة: "كما أن أصالة المكان وأقدميته والتمكن من ترميمه والمحافظة عليه تبعث في النفس راحة نفسية كبيرة".
اهتمام ثقافي
والحديقة كانت أساسًا كنيسًا سامريًّا حوّلتها جمعية بذور للتنمية والثقافة إلى مكان يستقبل كل أهل نابلس ومَنْ حولها ليعقدوا فيه نشاطاتهم الثقافية، كما يوضح مدير الجمعية د.رائد الدبعي.
ويلفت إلى أن الاهتمام بالحديقة يأتي ضمن اهتمام الجمعية بالتنمية والثقافة، مبينًا أن الجمعية تتواجد في منتصف الطريق إلى حي نابلس القديم، بينه وبين جامعة النجاح الوطنية.
ويقول: "نحن في الأساس نستأجر بيتًا سامريًّا قديمًا كان فناؤه كنيسًا مهملًا، فمنذ خمسة عشر عامًا لا يُصلى فيه، فخطرت لنا فكرة استثمار المكان وعرضنا الفكرة على "الطائفة المنتخبة من كل المواطنين السامريين".
ويضيف: "الفكرة طُرحت بإقامة حديقة ثقافية تحمل اسم الوحدة لتعزيز قيمة العيش المشترك في نابلس، وتأكيد وحدة المصير لكل مكونات النسيج الاجتماعي في نابلس من مسلمين ومسيحيين وسامريين وأيضًا الوحدة الوطنية بمفهومها الأوسع وإنهاء الانقسام البغيض الذي يعيشه شعبنا من خلال المشهد الثقافي".
ويبيّن الدبعي أن رئيس الطائفة السامرية "الكاهن الأكبر" وجميع المؤسسات الرسمية والأهلية والقوى الفاعلة في نابلس جميعهم أيّدوا تحويل هذه المساحة لأمرين: الأول هو ساحة خارجية يقام فيها أنشطة ثقافية وفنية ووطنية ومجتمعية.
ويضيف: "أما الأمر الثاني فهو سينما مجتمعية تحمل اسم راشيل كوري وهي متضامنة أمريكية قتلتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة، فنحن نجحنا في تحويل المكان إلى مكان أكثر نفعًا وإيجابيًّا".
وتابع: "نحن بصدد أيضًا إنشاء مساحة عمل في المكان يتاح فيها للشباب المبدعين من نابلس وما حولها الالتقاء والتعبير عن إبداعاتهم والتواصل سواء مع العالم الخارجي أو المؤسسات المختلفة، فقد أصبح المكان هنا يعج بالناس".
ويشير إلى أن الحديقة تفتح أبوابها لجميع المؤسسات سواء مسيحية أو إسلامية أو سامرية لعقد نشاطاتها، "المكان هنا يزيد عمره على سبعين عامًا، وهو يتسع لقرابة ثمانين شخصًا، ومحاط بالطبيعية الخلابة، كما أننا هيَّأنا أحد مداخله لاستخدام ذوي الإعاقة"، مبينًا أن الحديقة متاحة لأي نشاط وطني هادف يتوافق مع عادات شعبنا وقيمه.
وينبّه إلى أن الحديقة افتتحت أعمالها قبل حوالي عام، وشهدت احتفالًا بمجموعة من الأطفال السامريين، وإفطارات رمضانية جماعية، وأنشطة تطوعية يشارك فيها السامريون والمسيحيون والمسلمون، بجانب لقاءات لحركة ناطوري كارتا وهي حركة يهودية تعادي الصهيونية وتدافع عن حق الشعب الفلسطيني في أرضه.